وكان فرعون يجمع بين الرّجلين على الإناء الواحد ؛ القبطيّ والإسرائيليّ ، فيكون مما يلي الإسرائيليّ ماء ، ومما يلي القبطيّ دم ، وكانا يستقيان من جرّة واحدة ، فيخرج للإسرائيليّ ماء عذب زلال صافي ، ويخرج للقبطي دم عبيط. وكان النيل ماؤه طيّبا ، فإذا أخذه القبطيّ عاد في إنائه وفي فمه دما.
فمكثوا على هذا سبعة أيام لا يشربون إلا الدّم ؛ حتى مات كثير منهم ، ثم إن فرعون أجهده العطش واشتدّ به ، فيأتون بأوراق الأشجار الرطبة ، فيمصّها فتصير دما عبيطا وملحا أجاجا ، فكانوا لا يأكلون إلا الدّم ، ولا يشربون إلا الدم ، فقال فرعون : أقسم بإلهك يا موسى! لئن كشفت عنا الدّم لنؤمننّ لك. فدعا موسى ربّه ، فأذهب عنهم الدم ، وعذب ماؤهم ، فعادوا لكفرهم إلى أن كان من أمر الغرق ما كان. (١)
قوله تعالى : (آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ؛) أي دلالات واضحات بعضها منفصل من بعض ، كلّ آية من السّبت إلى السبت ، وبين كلّ آيتين شهر. قوله تعالى : (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (١٣٣) ؛ أي مقيمين على كفرهم ، فمكث موسى في آل فرعون بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات.
قوله تعالى : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ؛) معناه : ولمّا وقع عليهم العذاب الذي تقدّم ذكره من الطّوفان وغيره. وقال عكرمة : (الرّجز : الدّم ؛ لأنّه نغّص عيشهم). وقال ابن جبير : (هو الطّاعون).
وذلك أنّ موسى أرى قومه وبني إسرائيل من بعد ما جاء قوم فرعون بالآيات الخمس : الطوفان وغيره ، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فأرسل عليهم الطاعون ، فهلك منهم سبعون ألفا ، فقال فرعون عند ذلك : (يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أي بما تقدم به إليك أنه يجيب دعاءك إذا دعوته كما أجاب دعاءك في إنزال هذه الآيات ، (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ؛) أي هذا الطاعون. وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد : (الرّجز) وهما لغتان كالعصو والعصو. قوله تعالى : (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ؛) أي لنصدّقنّك ، (وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٣٤) ؛ أي لنطلقنّهم من التسخير والأعمال الشاقّة.
__________________
(١) أخرج الطبري هذه المأثورات في (١١٦٥٩ ـ ١١٦٧٣).