فأصبحوا يوم الخميس كأنّ وجوههم طليت بزعفران ؛ صغيرهم وكبيرهم ؛ وذكرهم وأنثاهم ، فأيقنوا بالعذاب ، وعلموا أنّ صالحا قد صدق ، فطلبوه ليقتلوه ، فهرب منهم واختفى في موضع فلم يجدوه ، فجعلوا يعذّبون أصحابه الّذين آمنوا منهم ليدلّوهم عليه.
فلمّا أصبحوا يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرّة كأنّها خضّبت بالدّماء ؛ فصاحوا بأجمعهم وضجّوا وبكوا ، وعرفوا أنّ العذاب قد دنا إليهم ، وجعل كلّ واحد منهم يخبر الآخر بما يرى في وجهه. ثمّ أصبحوا يوم السّبت وجوههم مسودّة كأنّما طليت بالقار والنّيل ، فصاحوا جميعا : ألا قد حضر العذاب.
فلمّا أصبحوا يوم الأحد ، خرج المسلمون إلى صالح عليهالسلام ، فمضى بهم إلى الشّام ، فلمّا اشتدّ الضّجّ يوم الأحد ، أتتهم صيحة من السّماء عظيمة ، فيها صوت كلّ صاعقة ، فانفطرت قلوبهم في صدورهم وتقطّعت ، فلم يبق منهم كبير ولا صغير إلّا هلك ، كما قال الله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)(١)).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ؛ قال : لمّا مرّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بالحجر في غزوة تبوك ـ يعني مواضع ثمود ـ قال لأصحابه : [لا يدخلنّ أحد منكم هذه القرية إلّا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم] ثمّ قال : [لا تسألوا رسولكم الآيات ، فإنّ هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية ، فبعث الله إليهم النّاقة ، فكانت ترد من هذا الفجّ ؛ وتصدر من هذا الفجّ ؛ فتشرب ماءهم يوم ورودها] وأراهم مرتقى الفصيل حين ارتقى ، ثمّ أسرع رسول الله صلىاللهعليهوسلم السّير حتّى جاوزوا الوادي (٢).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال لعليّ رضي الله عنه : [أتدري من أشقى الأوّلين؟] قال : الله ورسوله أعلم ، قال : [عاقر النّاقة]. ثمّ قال : [أتدري من أشقى الآخرين؟]
__________________
(١) القمر / ٣١.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١١٥٠٤ و ١١٥٠٧). والحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٣٠١) ؛ وقال : صحيح الإسناد.