لهم ، فيحلبون ما شاءوا من لبنها ، فيشربون ويدّخرون ، ويملأون آنيتهم كلّها ، ثم تصدر من على الفجّ (١) الذي وردت منه ؛ لأنّها لا تعد أن تصدر من ماء ترد لضيقه. قال أبو موسى الأشعريّ : أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر النّاقة ، فوجدته ستّين ذراعا (٢).
وكانوا إذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ، ويدّخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثاني ، فكانوا كذلك ، وكانت الناقة إذا رأتها مواشيهم تنفر منها ، وكانت الناقة ترعى في وادي الحجر ، فكبر ذلك على أهل المواشي منهم ، فاجتمعوا وتشاوروا على عقر الناقة.
وكان في ثمود امرأة يقال لها : صدوق ، وكانت جميلة الخلق غنيّة ذات إبل وبقر وغنم ، وكانت من أشدّ الناس عداوة لصالح عليهالسلام ، وكانت تحبّ عقر الناقة ؛ لأنّها أضرّت بمواشيها ، فطلبت من ابن عمّ لها يقال له : مصدع ، وجعلت له نفسها إن عقر الناقة ، وكانت من أحسن الناس وأكثرهم مالا ، فأجابها إلى ذلك. ثمّ طلبت قدار بن سالف ، وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه ولد زنى ، ولكنّه ولد على فراش سالف ، فقالت له : يا قدار ؛ أزوّجك أيّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة ، وكان منيعا في قومه ، فأجابها أيضا.
فانطلق قدار ومصدع فاستغووا غواة ثمود ، فأتاهم تسعة رهط ، فاجتمعوا على عقر الناقة ، فأوحى الله إلى صالح : أنّ قومك سيعقرون النّاقة. فقال لهم صالح بذلك ، فقالوا : ما كنّا لنفعل. ثم تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله. وقالوا : نخرج فيرى الناس أنا قد خرجنا إلى سفر ، فنأتي الغار فنكون فيه ، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده قتلناه ، ثم رجعنا إلى الغار فكنّا فيه ، فإذا رجعنا قلنا : ما شهدنا مهلك أهله وإنّا لصادقون ؛ أي يعلمون أنّا خرجنا في سفر لنا.
__________________
(١) الفجّ : الطريق الواسع بين جبلين ، وكلّ طريق بعد فهو فجّ.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٥٠٧).