قوله تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ؛) معناه : فعقروا النّاقة التي جعل الله لهم آية ودلالة على نبوّة نبيّهم ، وقد كان صالح عليهالسلام قال لهم : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ.) وإنّما أضافها إلى الله على التّخصيص والتّفصيل ، كما يقال : بيت الله.
وقيل : أضيفت إلى الله بأنّها كانت بالتّكوين من غير اجتماع ذكر وأنثى ولم تكن في صلب ولا رحم ، ولم يكن للخلق فيها سعي. قوله تعالى : (آية) نصب على الحال. وقوله تعالى : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي تجاوزوا الحدّ في الكفر والفساد. (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا ؛) به من العذاب على قتل النّاقة ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٧٧).
قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ؛) أي أخذتهم الزّلزلة ثمّ صيحة جبريل عليهالسلام كما قال الله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ)(١). والصّاعقة : هي الاحتراق ؛ أي احترقوا ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٧٨) ؛ أي ميتين قد همدوا رمادا جثوما. والجثوم : البروك على الرّكب. وقيل : معنى الصّيحة والصاعقة واحد ، فإن الصاعقة اسم لما يصعقون به ؛ أي يموتون.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ؛) معناه : فأعرض صالح عنهم حين عقروا الناقة ، وعرف أنّ العذاب يأتيهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم في أداء الرّسالة إليكم ، (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (٧٩) ؛ أي من ينصح لكم.
قال ابن عبّاس : (فخرج صالح ومن معه من المؤمنين ؛ وهم مائة وعشرة ؛ حتّى إذا فصل من عندهم وهو يبكي ، التفت خلفه فرأى الدّخان ساطعا ، فعرف أنّ القوم قد هلكوا ، وكان عددهم ألفا وخمسمائة. فلمّا هلكوا رجع صالح ومن آمن معه ، فسكنوا ديارهم حتّى توالدوا وماتوا فيها).
__________________
(١) فصلت / ١٧.