(الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والجحود به كفر ، والسّؤال عنه بدعة).
وقال بعضهم : معنى (استوى) : استولى ، كما يقال : استواء الأمير على بلد كذا ؛ أي استولى عليه واحتوى وأحرزه ، ولا يراد بذلك الجلوس. قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
أراد بذلك بشر بن مروان ، واستواءه على العراق : لا الملك.
وقال بعضهم : لفظ الاستواء في الآية كناية عن نفاذ الأمر وعظم القدرة. وقيل : معناه : ثمّ أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه ، وكذلك (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)(١) أي عمد إلى خلق السّماء.
فإن قيل : ما معنى دخول (ثمّ) في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ،) و (ثُمَّ) تكون للحادث ، واستيلاء الله تعالى واقتداره وملكه للأشياء ثابت فيما لم يزل ولا يزال؟ قيل : معناه : ثمّ رفع العرش فوق السّموات واستولى عليه (٢). وإنّما أدخل (ثمّ) متّصلة في اللفظ بالاستواء ؛ لأن الدلالة قد دلّت من جهة العقل على أنّ اقتداره على الأمور ثابت فيما لم يزل. وهذا مثل قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ)(٣) أي حتى يجاهد المجاهدون منكم ونحن عالمون بهم.
ويقال : معنى (ثمّ) هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التّراخي ، فإنّ خلق العرش والاستيلاء عليه كان قبل خلق السّموات والأرض. وقد ورد في الخبر : [أنّ أوّل شيء خلقه الله القلم ، ثمّ اللّوح ، فأمر الله القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. ثمّ خلق العرش ، ثمّ خلق السّموات والأرض](٤).
__________________
(١) فصلت / ١١.
(٢) في المخطوط كرر الناسخ السطر السابق كتابة.
(٣) محمّد / ٣١.
(٤) في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية : الحديث (٢٩٢٨) علقه ابن حجر وسكت عنه. وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ١٩٠ ؛ قال الهيثمي : ((عن ابن عباس رواه البزار ورجاله ثقات. وقال :