بالصّدق في أمر البعث بعد الموت فكذبناهم ، (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ ؛) أي يقولون هذا القول حين يرون الشّفعاء يشفعون للمؤمنين ، فيقال لهم : ليس لكم شفيع ، فيقولون : هل نردّ إلى الدّنيا فنصدّق الرسل ، ونعمل الأعمال الصالحة؟ فذلك قوله تعالى : (فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ.) وجواب الاستفهام بالفاء يكون نصبا.
قوله تعالى : (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ؛) أي غبنوا حظّ أنفسهم من الجنّة ، فورثهم المؤمنون. وقوله تعالى : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٥٣) ؛ أي بطل عنهم فلم ينفعهم ، وذهب عنهم آلهتهم ؛ وهي التي كانوا يفترون بها على الله تعالى أنّها شفعاؤهم. ويقال : معناه : وضلّ عنهم حينئذ افتراؤهم على الله تعالى.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ؛) وذلك : أنّ الله تعالى لمّا عيّر المشركين بعبادة الأصنام بقوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمّد ؛ من ربّك الذي تدعونا إليه؟ فأرادوا بذلك أن يجحدوا معنى في أسمائه ، وفي شيء من أفعاله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فتحيّروا وعجزوا عن الجواب.
ومعنى الآية : أنّ خالقكم ورازقكم هو الله الذي ابتدأ خلق السّموات والأرض لا على مثال سابق ؛ فوحّدوه يا أهل مكّة واعبدوه وأطيعوه ؛ ودعوا هذه الأصنام ؛ فإنّها لم تخلق سماء ولا أرضا.
قوله تعالى : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قال ابن عبّاس : (أوّلها الأحد وآخرها يوم الجمعة). قال الحسن : (هي ستّة أيّام من أيّام الدّنيا). ويقال : في ستّة ساعات من ستة أيّام من أوّل أيّام الدّنيا. ولو شاء لخلقها في أسرع من اللّحظة ، ولكنه علّم عباده التّأنّي والرّفق والتدبير والتثبّت في الأمور.
قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ؛) اختلف المفسّرون في ذلك ؛ قال بعضهم : يطلق الاستواء كما نطق به القرآن ولا يكيّف ، كما أثبت الله ولا نكيّفه. وهذا القول محكيّ عن مالك بن أنس ، فإنه سئل عن معنى هذه الآية ؛ فقال :