وكانوا إذا قدموا منه طرح أحدهم ثيابه في رجله ، فإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه ، فأنزل الله هذه الآية : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يعني الثّياب (١). وقال مجاهد : (يعني : ما يواري عورتكم ولو عباءة) (٢).
وقال الكلبيّ : (كانت بنو عامر لا يأكلون من الطّعام إلّا قوتا ، ولا يأكلون دسما في أيّام حجّهم ، يعظّمون بذلك حجّهم. وكانت قريش وكنانة يفعلون. فقال المسلمون : يا رسول الله ، نحن أحقّ أن نفعل ذلك ، فأنزل الله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا). (وَلا تُسْرِفُوا ؛) أي البسوا ثيابكم عند كلّ مسجد ، وكلوا اللّحم والدّسم ، واشربوا من ألبان السّوائب والبحائر ، (وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تجاوزوا تحريم ما أحلّ الله لكم.
والإسراف : مجاوزة الحدّ ؛ فتارة تكون مجاوزة الحلال إلى الحرام ؛ وتارة تكون مجاوزة الحدّ في الإنفاق ؛ وتارة تكون بأن يأكل الإنسان فوق الشّبع فيؤدّي به ذلك إلى الضّرر.
ويروى : أنّ هارون الرّشيد كان له طبيب نصرانيّ حاذق ، فقال لعليّ بن الحسين ابن واقد (٣) : أليس في كتابكم من علم الطب شيء؟ والعلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان ، فقال له : إنّ الله تعالى قد جمع الطبّ كلّه بنصف آية من كتابنا. قال : وما هي؟ قال : قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.) فقال النصرانيّ : هل يؤثر عن رسولكم شيء من الطب؟ قال : نعم ؛ جمع رسولنا صلىاللهعليهوسلم الطبّ في ألفاظ يسيرة. قال : وما هي؟ قال : قوله : [المعدة بيت الدّاء ، والحمية رأس كلّ دواء ، وعوّدوا كلّ جسم ما اعتاد](٤). فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيّكم لجالينوس طبّا (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان عن ابن عباس : الأثر (١١٢٧٧).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٢٨٠).
(٣) علي بن الحسين بن حيان بن عمار بن واقد ؛ أبو الحسن ، ترجم له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج ١١ ص ٣٩٤ : الرقم (٦٢٧٤) ؛ وقال : ثقة.
(٤) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٤٤٤ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه أبو محمد الخلال عن عائشة)).
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ١٩٢.