وأنشد نفطويه بعضهم :
إنّ الكريم إذا تشاء خدعته |
|
وترى اللّئيم مجرّبا لا يخدع |
قوله تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ ؛) أي حدرهما من أعلى إلى أسفل ؛ لأنّ الخير عال والشّرّ سافل. وقال بعضهم : معناه : قرّبهما مما أراد من التّورية ؛ وهي التقريب مأخوذ من أدلى الدّلو ، ويقال : فلان يدلي فلانا بالغرور ؛ أي يخدعه بكلام زخرف باطل.
وقال مقاتل : (فدلّاهما بغرور) أي زيّن لهما الباطل. فدلّاهما بغرور ؛ الغرور ما تقدّم ذكره بقوله لهما : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.) وفي بعض الرّوايات : أنّ آدم عليهالسلام كان يقول وقت توبته : ما ظننت يا رب أنّ أحدا يجرأ فيحلف باسمك كاذبا.
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ؛) فيه دليل أنّهما لم يبالغا في الأكل ، ولكن لمّا وصل إلى جوفهما تهافت عنهما لباسهما ، وظهر لكلّ منهما عورة صاحبه فاستحيا ، (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ؛) أي عمدا فأخذا يلزقان عليهما من ورق التّين.
والخصف : الإلزاق بعضه إلى بعض ، كما يعمل الخصّاف الذي يرقّع النّعل. ومعنى (طفقا) أخذا في العمل ، يقال : بات يفعل كذا إذا فعله ليلا ، وظلّ يفعل كذا إذا فعله نهارا ، وطفق يفعل كذا إذا فعل في أيّ وقت كان.
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إنّ آدم كان رجلا طوالا كأنّه نخلة سحوق كثير شعر الرّأس ، فلمّا وقع بالخطيئة بدت سوأته وكان لا يراها ، فانطلق هاربا في الجنّة ، فعرضت له شجرة من شجر الجنّة فحبسته بشعره ، قال لها : أرسليني! فقالت : لست مرسلتك. فناداه ربّه : يا آدم ؛ أمنّي تفرّ؟ قال : لا ، ولكن استحييت]. (١)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١١١٩٧) عن أبي بن كعب ، وهو اللفظ في الحديث (١١٢٠١) بإسناد آخر.