قوله تعالى : (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٢٠) ؛ أي لا تموتان فتفنيان أبدا ، فذلك قوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ)(١) أي على شجرة من أكل منها لم يمت. وقوله تعالى : (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) أي جديد لا يفنى. وعلى قراءة من قرأ (ملكين) بكسر اللّام (٢) استدلالا له بقوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى.)
قيل : كيف أوهمهما أنّهما إذا أكلا من تلك الشجرة تغيّرت صورتهما إلى صورة الملك ، أو يزداد في حياتهما؟ قيل : أوهمهما أنّ من حكمة الله أن من أكل منها صار ملكا أو ليزيد حياته. وقيل : إنّه لم يطمعهما في أن تصير صورتهما كصورة الملك ، وإنّما أطمعهما في أن تصير منزلتهما منزلة الملك في العلوّ والرّفعة.
قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١) ؛ أي حلف لهما إنّي لكما لمن النّاصحين فيما أقول. وإنّما قال : (وَقاسَمَهُما) على لفظ المفاعلة ؛ لأنه قابلهما بالحلف ، وهذا كما يقال : عاقبت اللّصّ ؛ وناولت الرّجل.
قال قتادة : (حلف لهما حتّى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله تعالى ، وقال لهما : إنّي خلقت قبلكما ، وأنا أعلم منكما ، فاتّبعاني أرشدكما). وكان بعض العلماء يقول : (من خادعنا بالله خدعنا). (٣) وقال صلىاللهعليهوسلم : [المؤمن غرّ كريم ، والفاجر خبّ لئيم]. (٤)
__________________
(معناه : ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلا أن تكونا ملكين لا تموتان إلى يوم القيامة كما لا تموت الملائكة).
(١) طه / ١٢٠.
(٢) قراءة ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٩٣) عن السدي.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٩٥).
(٤) أخرجه الطبراني في الكبير : ج ١٩ ص ٧٧ : الحديث (١٦٦) وفيه يوسف بن سفر : متهم بالكذب. ومن طريق آخر أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ٣ ص ١١٠ : ترجمة الحجاج بن الغراضة عن أبي هريرة. وأخرجه أبو داود في السنن : كتاب الأدب : الحديث (٤٧٩٠). والترمذي في الجامع : أبواب البر : الحديث (١٩٦٤) ؛ وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وإسناده حسن مع أن في إسناده بشر بن رافع : ضعيف في الحديث.