وقيل : معنى الآية : ولقد خلقناكم في بطون أمّهاتكم نطفا ؛ ثم علقا ؛ ثم مضغا ؛ ثم عظاما ؛ ثم لحما ، ثم صوّرناكم : الحسن والذميم ؛ والطويل والقصير ، وصوّرنا لكم عضوا من العين والأنف والأذن واليد والرّجل وأشباه ذلك.
قوله تعالى : (ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قال الأخفش : ((ثمّ) ها هنا في معنى الواو) (١) أي وقلنا للملائكة اسجدوا لآدم الآن. قوله تعالى للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) قبل خلقنا وتصويرنا.
وأنكر الخليل وسيبويه أن تكون (ثمّ) بمعنى (الواو) ، ولكن تكون للتراخي. ويجوز أن يكون معنى (ثمّ) ها هنا التّراخي من حيث الإخبار دون ترادف الحال.
قوله تعالى : (قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ؛) أي ما منعك أن تسجد ، و (لا) زائدة في الكلام كما في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٢) أي ليعلم أهل الكتاب. وقيل : معناه : ما دعاك إلى أن لا تسجد ، وقد علم الله ما منعه من السجود ، ولكن مسألته إياه توبيخ له وإظهار أنه معاند ركب المعصية. وعن يحيى بن ثعلب أنه قال : (كان بعضهم يكره أن لا ويقول : تقديره : من قال لك لا تسجد؟).
قوله تعالى : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (١٢) ؛ ليس هذا الجواب عمّا سأله تعالى من جهة اللفظ ؛ لأن هذا الجواب جواب : أيّكما خير؟ إلّا أن هذا جواب من جهة المعنى ، فإن معناه : إنّما منعني من السجود له إلا أنّي كنت أفضل منه.
وكان هذا القول من اللّعين تجهيلا منه بخالقه ؛ كأن قال : إنّك فضّلت الظّلمة على النّور وليس ذلك من الحكمة. فأعلم الله تعالى أنه صاغر بهذا القول ، وليس الأمر على ما قاله الملعون ؛ لأنه رأى أنّ جوهر النار أفضل من جوهر الطّين في المنفعة ، وليس كذلك لأن عامّة الثّمار والحبوب والفواكه من الطّين ، وكذلك الملابس كلّها لا تخرج إلا من الطّين ، وعمارة الأرض من الطين ، وهو موضع القرار عليه لا
__________________
(١) قاله الأخفش في معاني القرآن : ج ٢ ص ٢٩٤.
(٢) الحديد / ٢٩.