وقال بعضهم : يوزن الإنسان ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [يؤتى بالرّجل الأكول الشّروب العظيم فيوزن ؛ فلا يزن جناح بعوضة ؛ إقرأوا إن شئتم : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً)](١).
وأما ذكر الموازين بلفظ الجماعة ؛ فلأنّ الميزان يشتمل على الكفّتين والخيوط والشاهدين (٢). فإن قيل : ما الحكمة في وزن الأعمال ، والله قادر عالم بمقدار كلّ شيء قبل خلقه إيّاه وبعده؟ قيل : لإقامة الحجّة عليهم ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣) فأخبر بنسخ الأعمال وإثباتها مع علمه بها لما ذكرنا. وقيل : الحكمة فيه تعريف الله العباد ما لهم عنده من جزاء على الخير والشرّ. وقيل : جعله الله علامة للسعادة والشقاوة. وقيل : لامتحان الله عباده بالإيمان به في الدّنيا.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ؛) أي مكّنّاكم بالتمليك والإقرار ودفع الموانع ، وجعلنا لكم في الأرض معايش ؛ وهو ما تعيشون به من الرّزق ؛ وهو ما يخرج من الأرض من الحبوب والأشجار والثّمار. وقيل : معنى (المعايش) : التواصل إلى ما يعاش به من الحراثة والتجارة ، وأنواع الحرف والزراعات. قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (١٠) ؛ أي شكركم فيما صنع إليكم قليل. وقيل : معنى قوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) أي تعيشون بها أيّام حياتكم من المآكل والمشارب.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ؛) أي خلقنا آدم الذي هو أصل خلقتكم ، ثم صوّرناه إنسانا ، (ثُمَّ قُلْنا ؛) من بعد خلقه من التراب وتصويره ؛ (لِلْمَلائِكَةِ ؛) الذين كانوا في الأرض مع إبليس : (اسْجُدُوا لِآدَمَ ؛) سجدة تحيّة ؛ (فَسَجَدُوا ؛) المأمورون ؛ (إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١) ؛ لآدم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : باب (٦) : الحديث (٤٨٩٢) عن أبي هريرة رضي الله عنه وأوله : [إنّه ليأتي الرّجل ...]. ومسلم في الصحيح : كتاب صفة القيامة : الحديث (١٨ / ٢٧٨٥).
(٢) في المخطوط : (والساهين).
(٣) الجاثية / ٢٩.