فبينما المتهجّدون يبكون ويتضرّعون والغافلون في غفلاتهم ؛ إذا بالشّمس والقمر قد طلعتا من المغرب أسودان لا ضوء للشّمس ولا نور للقمر كصفتهما في كسوفهما ، فذلك قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(١) ، فيرتفعان كذلك مثل البعيرين ينازع كلّ واحد منهما استباقا ، فيتصارخ أهل الدّنيا حينئذ ويبكون.
فأمّا الصّالحون فينفعهم بكاؤهم ، ويكتب لهم عبادة ، وأمّا الفاسقون فلا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ، ويكتب ذلك عليهم حسرة وندامة. فإذا بلغ الشّمس والقمر سرّة السّماء ومنتصفها ، جاء جبريل فأخذ بقرونهما فردّهما إلى المغرب ؛ فيغربان في باب التّوبة].
فقال عمر : بأبي وأمّي أنت يا رسول الله ؛ ما باب التّوبة؟ قال : [يا عمر ؛ خلق الله بابا للتّوبة خلف المغرب ؛ له مصراعان من ذهب ؛ ما بين المصراع إلى المصراع أربعون سنة للرّاكب ، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك اللّيلة عند طلوع الشّمس والقمر من مغربهما ، فإذا غربا في ذلك الباب ردّ المصراعان والتأم ما بينهما ، فيصير كأن لم يكن بينهما صدع. فإذا أغلق باب التّوبة لم يقبل للعبد توبة بعد ذلك ، ولم ينفعه حسنة يعملها إلّا من كان قبل ذلك محسنا ، فإنّه يجري عليه ما كان يجري قبل ذلك اليوم.
فذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً ،) قال السّدّيّ : (لا ينفع أحدا فعل الإيمان ولا فعل الخير في تلك الحالة ، فإنّما ينفع فعل هذا قبل تلك الحال) (٢).
وقيل : معنى (خيرا) إخلاصا ؛ أي إذا لم تكن النفس مخلصة قبل مجيء الآيات ؛ لا ينفعها الإخلاص بعد مجيء الآيات ، (قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨) ، فقال أبيّ بن كعب : يا رسول الله ؛ وكيف بالشّمس والقمر بعد ذلك؟ وكيف بالنّاس
__________________
(١) القيامة / ٩.
(٢) بمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٠٨٠). عن السدي يقول : (كسبت في تصديقها خيرا عملا صالحا ، فهؤلاء أهل القبلة. وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيرا ثم عملت بعد الآية خيرا ، قبل منها).