وقوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) ؛ أي كلّما أجمعوا على قتالكم وأعدّوا (١) للحرب ، فرّق الله جمعهم وأطفأ مكرهم وخالف بين كلمتهم. قوله تعالى : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) ؛ أي يجتهدون في دفع الإسلام (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٦٤) ؛ أي لا يرضى عمل أهل الفساد.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ؛ أي ولو أنّهم عملوا بما في التوراة والإنجيل ، ولم يكتموا ما علموا من ذكر محمّد صلىاللهعليهوسلم فيها ، وعملوا ب ؛ (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) ؛ يعني القرآن الذي أنزل على كافّة الناس ، (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) ؛ أي لوسّعنا عليهم الرزق بإنزال المطر من السماء ، وإخراج النبات من الأرض والشجر والنبات (٢). وفي الآية بيان أن التّقى سبب لتوسعة الرزق ، واستقامة الأمر في الدّنيا والآخرة ، ونظير هذا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ)(٣) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(٤).
قوله تعالى : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) ؛ أي من أهل الكتاب أمّة عادلة ، يعني جماعة عادلة في القول ، وهم الذين أسلموا منهم ، وهم ثمانية وأربعون رجلا : لنجاشيّ وأصحابه من النّصارى ، وبحيرا الراهب وأصحابه ، وسلمان الفارسيّ وأصحابه ، وعبد الله بن سلام وأصحابه ، وجبر مولى قريش ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٦٦) ؛ أي كثير من أهل الكتاب ساء ما يعملون من كتمان نعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وتكذيبه ، وهم : كعب بن الأشرف وأصحابه وسوف تسوؤهم أعمالهم يوم القيامة إذا رأوا وبالها.
__________________
(١) في المخطوط : (واغزوا) وهو تصحيف.
(٢) في المخطوط أشار الناسخ إلى احتمال أنها (والثمار) بدل (والنبات) ، وأثبت كما هو في المطبوع.
(٣) الأعراف / ٩٦.
(٤) الطلاق / ٢ ـ ٣.