وقيل : نعمته الظاهرة ونعمته الباطنة. وقيل : أراد بالتثنية في هذا للمبالغة في صفة النعمة. قال الأعشى :
يداك يدا مجد فكفّ مفيدة |
|
وكفّ إذا ما ضنّ بالمال تنفق |
وهذا كلّه لأنّ اليهود قصدوا تبخيل الله ، فحوسبوا على قدر كلامهم.
قوله تعالى : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) ؛ دليل على أن المراد بجواب اليهود بيان بسط النعمة ، وأنّ الله يرزق كيف يشاء بحسب المصالح ، فربّما كان الصلاح في أن يعتبروا ، وربّما كان في أن يوسّع ، ولا يخلو حكمه عن الحكمة.
واعلم أن اليد في اللغة تتصرف على وجوه ؛ منها : الجارحة وهي معروفة ، وتعالى الله عن الجوارح. ومنها : النعمة كما يقال : لفلان عليّ يد ؛ أي نعمة. ومنها : لقوة كما قال تعالى : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ)(١) وقال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(٢).
ومنها : الملك (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)(٣) أي يملكه. ومنها : القدرة كقوله (بِيَدَيَ)(٤) أي تولّيت خلقه ، وفائدته التشريف. ومنها التصرّف كما يقال : هذه الدار في يد فلان ؛ أي هو يتصرّف فيها بالسّكنى والإسكان ، وقد يقال : أسلم فلان على يد فلان ؛ أي كان سببا في إسلامه.
قوله عزوجل : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) ؛ معناه : ليزيدنّ القرآن الذي أنزل إليك ، وما فيه من الإسلام ، وحكم الرجم كثيرا من اليهود طغيانا وكفرا ؛ أي كلّما أنزل عليك شيء من القرآن كفروا به فيزيد كفرهم.
قوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ؛ أي جعلناهم مختلفين في دينهم متباغضين كما قال تعالى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٥).
__________________
(١) ص / ٤٥.
(٢) الذاريات / ٤٧.
(٣) البقرة / ٢٣٧.
(٤) ص / ٧٥.
(٥) الحشر / ١٤.