قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ؛ ذهب الخوارج إلى أنّ معنى الآية : (ومن لم يحكم بما نزّل الله وحكم بخلافه كان كافرا بفعل ذلك ، اعتقادا كان أو غير ذلك) ، وكفّروا بذلك كلّ من عصى الله تعالى بكبيرة أو صغيرة ، وأدّاهم ذلك إلى الضّلال والكفر تكفيرهم الأنبياء صلوات الله عليهم بصغائر ذنوبهم!
وأما عامّة أهل الإسلام قالوا : إن المراد بهذه الآية : أنّ من جحد شيئا مما أنزل الله مثل ما فعله اليهود من التحريف والتبديل وإنكار بعض آيات الله تعالى ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤) ؛ أي أهل هذه الصّفة بمنزلة الكافر بالكتب وبالرّسل كلّها.
يدلّ على هذا أنه لا خلاف أنّ من لم يقض بينهم بما نزّل الله لا يكفر بأن لم يحكم ؛ لأنّ أكثر الناس بهذه الصّفة ، والحاكم بين الناس في كثير حالاته لا يحكم ، فإذا صلح الخوارج أن يزيدوا في ظاهر اللفظ فيقولوا معناه : (من لم يحكم بما نزّل الله وحكم بخلافه) صلح لغيرهم أن يقولوا معناه : ومن لم يحكم بصحّة ما نزّل الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، وهذا عامّ في اليهود وغيرهم.
قوله عزوجل : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) ؛ قال ابن عبّاس : (نزلت هذه الآية في الجراحات الّتي كانت بين بني قريظة وبني النّضير ، كان لبني النّضير مقتل على بني قريظة ، والدّية والدّم ضعف ما كان لبني قريظة) فأنزل الله هذه الآية.
ومعناها : وأوحينا على بني إسرائيل في التّوراة : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) يعني أن نفس القاتل بنفس المقتول وفاء ، (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) بفقئهما ، (وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) يجدع به ، (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) يقطع به (وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) يقلع به ، وخفّف نافع الأذن في جميع القرآن ، وثقّله غيره.
قوله عزوجل : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) ؛ أي يجزئ فيها القصاص ، والقصاص : عبارة عن المساواة ، وهذا مخصوص فيما يمكن القصاص فيه ، فأمّا ما كان من رضّة أو هشمة لعظم ، وهذه ركن لا يحيط العلم به ، ففيه أرش أو حكومة.