والمراد بالنبيّين موسى وعيسى ومحمّد صلىاللهعليهوسلم وغيرهم من الذين كانوا من وقت موسى إلى وقت نبيّنا عليهمالسلام. ويقال أراد بالنبيّين محمّدا صلىاللهعليهوسلم فإنه كان كالنائب عن أنبياء بني إسرائيل في أن يحكم في الزّنا بينهم بحكم التوراة.
وقيل : معنى (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) أي انقادوا لأحكام الله لا على أنّ غيرهم من النبيّين لم يكونوا مسلمين. وقيل : معنى (أَسْلَمُوا) أي صاروا إلى السّلامة ، كما يقال : أصبحوا وأمسوا : وادّخلوا في الصّباح والمساء. وقيل : معناه : الّذين أسلموا أنفسهم إلى الله. كما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يقول إذا آوى إلى فراشه : [أسلمت نفسي إليك](١). قوله عزوجل (لِلَّذِينَ هادُوا) يعني لليهود ، وقيل : معنى الآية : للذين تابوا من الكفر ، كما في قوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(٢).
قوله تعالى : (وَالرَّبَّانِيُّونَ) ؛ هم العلماء العاملون ، يربّون العلم ؛ أي يقومون به ، (وَالْأَحْبارُ) ؛ سائر العلماء دون الأنبياء والربّانيّين ، وإنما سمي العالم حبرا لكثرة ما يكتب بالحبر ، ويقال : هو من التحبير وهو تحسين العلم ، وتقبيح الجهل.
قوله تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) ؛ من الرّجم وسائر الأحكام ، (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) ؛ إنه كذلك ، ومعنى (اسْتُحْفِظُوا) : استودعوا.
قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ؛ خطاب لعلماء اليهود ؛ أي لا تخشوا السّفلة والجهّال في إظهار نعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وآية الرّجم ، واخشوا عقابي في كتمانها ، (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) ؛ أي لا تختاروا عرضا يسيرا من الدّنيا ، فإن الدّنيا ما فيها قليل.
__________________
(١) الحديث عن البراء بن عازب ؛ قال : علّمني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن أقول إذا أخذت مضجعي عند النوم : [أسلمت نفسي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، ووجّهت وجهي إليك ، وفوّضت أمري إليك ، رهبة منك ورغبة إليك ، لا ملجأ إلّا إليك ، آمنت بكتابك الّذي أنزلت وبالرّسول الّذي أرسلت]. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ٥ ص ١٠٤ ؛ وقال : «صحيح ثابت».
(٢) الأعراف / ١٥٦.