قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) ؛ أي إلّا ما ذكرتم ذكاته مما أكل منه السّبع فذكّيتم ، فإنّ ذلك يحلّ لكم ، أو ما أبين من الصّيد قبل الذكاة فهو ميّت ، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) راجعا إلى المنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع ، فإنّها كلّها في الحكم بمعنى واحد. وعن الحسن أنه كان يقول في هذه الجملة : (إذا طرفت بعينها ؛ أو وكصت برجلها ؛ أو حرّكت بدنها فذكّها وكل) (١). وشرط أكثر العلماء في إباحة أكلها بالذكاة : أن تكون حياتها وقت الذكاة أكثر من حياة المذبوح ، فإن كانت بهذه الصّفة أثّرت الذكاة في إباحتها وإلّا فلا.
والتّذكية : تمام فري الأوداج وإنهار الدّم ، ومنه الذكاء في الفم إذا كان تامّ العقل ، وذكّيت النّار إذا أتممت إشعالها.
قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ؛ أي وحرّم عليكم ما ذبح على النّصب ، هي جمع النّصب ، والنّصاب : وهي الحجارة ، كانوا ينصبونها فيعبدونها من دون الله تعالى ويقرّبون لها الذبائح ، والفرق بين النّصب والأصنام : أنّ الصنم اسم لما كان على صورة الإنسان ، والنّصب ما لا نقش له ولا صورة ولكنه يعبد. والوثن ما كان منقوشا ، والحائط لا شخص له. وقيل : النّصب واحد وجمعه أنصاب ، مثل عنق وأعناق.
وقرأ الحسن بن صالح وطلحة بن مصرف : (على النّصب) بجزم الصاد ، وقرأ الجحدريّ : بفتح النون والصاد ؛ جعله اسما موحدا كالجبل والجمل ، والجمع الأنصاب كالأجبال والأجمال ، وكلّها لغات وهي الشيء المنصّب ، ومنه قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)(٢).
واختلفوا في معنى النّصب ها هنا ؛ قال ابن جريج ومجاهد وقتادة : (كان حول البيت ثلاثمائة وستّون حجرا ، وكان أهل الجاهليّة يذبحون عليها ، ويشرّحون اللّحم عليها ، وكانوا يعظّمونها ويعبدونها ويذبحون لها ، وكانوا مع هذا يبدلونها إذا رأوا حجارة
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٨٦٧٣) عن ابن عباس ، والنص (٨٦٧٤) عن الحسن.
(٢) المعارج / ٤٣.