قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) ؛ أي كلّما أحرقت جلودهم جدّدنا لهم جلودا غيرها بيضاء كالقراطيس ، وذلك أنّهم كلّما احترقوا حسّت عليهم النار ساعة ثم تزايدت سعيرا وبدأوا خلقا جديدا فيهم الرّوح ثم عادت النّار تحرقهم ؛ فهذا دأبهم أبدا. قال الحسن : (تنضج جلودهم كلّ يوم سبعين ألف مرّة ، كلّما أكلتهم النّار وأنضجتهم ؛ قيل لهم : عودوا ؛ فيعودون كما كانوا). وعن مجاهد قال : (ما بين جلده ولحمه دود لها حلبة كحلبة حمر الوحش). وعن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا ، وضرسه مثل أحد](١).
قيل : كيف جاز أن يعذّب الله جلدا لم يعصه؟ قيل : إنّ العاصي والمتألّم واحد وهو الإنسان لا الجلد ؛ لأن الجلود إنّما تألم بالأرواح ، والدليل على أنّ القصد تعذيب الإنسان لا تعذيب الجلود قوله تعالى : (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ؛ ولم يقل ليذوق العذاب ، وقيل : معناه : تبدل جلود هي تلك الجلود المتحرقة ، وذلك أنّ (غير) على ضربين : بتضادّ و (غير) بلا تضادّ ، فالتضادّ مثل قولك : الليل غير النّهار ، والذكر غير الأنثى ، والثاني مثل قولك لصائغ : صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره ، فيكسره ويصوغ لك خاتما ، والخاتم المصوغ هو الأوّل ، إلّا أن الصياغة قد تغيّرت ، والقصة واحدة.
وقالت الحكماء : كما أنّ الجلد بلي قبل البعث كذلك يبدل بعد النّضج. وقال السّدّيّ : (يبدل من لحم الكافر يعاد الجلد لحما ويخرج من اللّحم جلد آخر ؛ لأنّه جلد لم يعمل خطيئة). قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)) ؛ أي غالبا في أمره ، لا يملك أحد منعه من إنزال وعدّه ، ذو حكمة فيما حكم من النار للكفّار.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٢ ص ٥٦٩ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي صالح ، قال : قال أبو مسعود لأبي هريرة : (أتدري كم غلظ جلد الكافر؟) ... وذكره» وأصله عند مسلم في الصحيح : كتاب الجنة : النار يدخلها الجبارون : الحديث (٤٤ / ٢٨٥١).