في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري. كان لي دينار ، فصرفته ، فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم. وهو على القول بالوجوب لا يقدح في غيره. ولعلّه لم يتّفق للأغنياء مناجاة في مدّة بقائه ؛ إذ روي أنّه لم يبق إلّا عشرا. هكذا قال القاضي البيضاويّ. (١) وقال قبل هذا الكلام متّصلا به : إنّ نزول هذه الآية للنهي عن الإفراط في السؤال والتمييز بين المخلصين والمنافقين ومحبّ الآخرة ومحبّ الدنيا. فانظر إلى تناقض الكلامين! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
[١٤] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤))
(الَّذِينَ تَوَلَّوْا). المراد بهم المنافقون. كانوا يولّون اليهود ويفشون إليهم أسرار المؤمنين ويجتمعون معهم في ذكر مساءة النبيّ. (وَما هُمْ مِنْكُمْ). يعني أنّهم ليسوا من المؤمنين في الدين والولاية ولا من اليهود. (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) أنّهم لم ينافقوا (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم منافقون. (٢)
(غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ). هم اليهود في قوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ). (٣)(عَلَى الْكَذِبِ) الذي هو ادّعاء الإسلام. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّ المحلوف عليه كذب بحت. فإن قلت : ما فائدة قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ)؟ قلت : الكذب أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه سواء علم المخبر أو لم يعلم. فالمعنى أنّ خبرهم على خلاف ما يخبرون عنه وهم عالمون بذلك متعمّدون. (٤)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا) ـ الآية. قال : نزلت في الثاني. لأنّه مرّ به رسول الله وهو جالس عند رجل من اليهود ويكتب خبر رسول الله ، فأنزل الله : (أَلَمْ تَرَ) ـ الآية. فجاء الثاني إلى النبيّ فقال له : رأيتك تكتب عن اليهود وقد نهى الله عن ذلك! فقال : كتبت ما في التوراة من
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٧٦.
(٢) مجمع البيان ٩ / ٣٨٠.
(٣) المائدة (٥) / ٦٠.
(٤) الكشّاف ٤ / ٤٩٥.