الحديبيّة. فلمّا انطلقوا إليها ، قال هؤلاء المخلّفون : (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ). فقال سبحانه : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) ؛ أي : مواعيده لأهل الحديبيّة لغنيمة خيبر خاصّة بأن يشاركوهم فيها. عن ابن عبّاس. وقيل : أراد أمر الله نبيّه ألّا يسير [معه] منهم أحد. (مِنْ قَبْلُ) ؛ أي : قال الله بالحديبيّة قبل الخيبر وقبل مرجعنا إليكم : إنّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبيّة لا يشاركهم أحد. (بَلْ تَحْسُدُونَنا) ؛ أي : يقولون لكم : بل تحسدوننا [أن] نشارككم في الغنيمة. فقال الله : ليس الأمر على ما قالوه. (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) الحقّ وما تدعونهم إليه إلّا فقها قليلا. وقيل : معناه : إلّا القليل منهم وهم المعاندون. (١)
(أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ). وهو وعده لأهل الحديبيّة أن يعوّضهم من مغانم مكّة مغانم خيبر. (إِلَّا قَلِيلاً) : إلّا فهما قليلا وهو فطنتهم لأمور الدنيا. (٢)
(بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً). فإن قلت : ما الفرق بين حرفي الإضراب؟ قلت : الأوّل إضراب معناه ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتّبعوهم وإثبات الحسد. والثاني إضراب عن وصفهم بإضاعة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أطمّ منه وهو الجهل وقلّة الفقه. (٣)
[١٦] (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦))
(لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) الذين تخلّفوا عنك في الخروج إلى الحديبيّة. (سَتُدْعَوْنَ) فيما بعد (إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) وهم هوازن وحنين. وقيل : هم بنو حنيفة مع مسيلمة الكذّاب. وقيل : هم أهل صفّين أصحاب معاوية. والصحيح أنّ الداعي في قوله : (سَتُدْعَوْنَ) هو النبيّ صلىاللهعليهوآله. لأنّه قد دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة. (أَوْ يُسْلِمُونَ) ؛ أي :
__________________
(١) مجمع البيان ٩ / ١٧٤ ـ ١٧٥.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٠٩.
(٣) الكشّاف ٤ / ٣٣٨.