الله بعد نزول آية الرضوان : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) ـ الآية. وإنّما رضي عنهم بهذا الشرط أن يفوا بعد ذلك بعهد الله وميثاقه ولا ينقضوا عهده وعقده. فلهذا العقد رضي الله عنهم. فقدّموا في التأليف آية الشرط على بيعة الرضوان. وإنّما نزلت أوّلا بيعة الرضوان ثمّ آية الشرط عليهم فيها. (١)
[١١] (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١))
(مِنَ الْأَعْرابِ) الذين تخلّفوا عن صحبتك وعمرتك. وذلك أنّه لمّا أراد المسير إلى مكّة عام الحديبيّة معتمرا ـ وكان في ذي القعدة من سنة ستّ من الهجرة ـ استنفر من حول المدينة من الأعراب إلى الخروج معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو بصدّ وأحرم بالعمرة وساق الهدي ليعلم أنّه لا يريد حرما ، فتتثاقل عنه كثير من الأعراب فقالوا : نذهب معه إلى قوم قد جاؤوا فقتلوا أصحابه. فتخلّفوا عنه واعتلّوا بالشغل. فقال سبحانه : إنّهم يقولون لك إذا انصرفت إليهم تعاتبهم على التخلّف عنك : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا) عن الخروج معك. (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) في قعودنا عنك. (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ). كذّبهم الله في اعتذارهم بما أخبر عمّا في ضمائرهم. أي لا يبالون استغفر لهم النبيّ أم لا. (قُلْ) لهم يا محمّد : (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ) ؛ أي : فمن يمنعكم من عذاب الله؟ وذلك أنّهم ظنّوا أنّ تخلّفهم يدفع عنهم الضرّ ويعجّل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم فأخبرهم سبحانه أنّه إن أراد بهم ذلك لم يقدروا على دفعه عنهم. (بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ؛ أي : بسبب تخلّفكم. (٢)
حمزة والكسائيّ : (ضَرًّا) بالضمّ. (٣)
(عَلَيْهُ اللهَ) بضمّ الهاء ، حفص. (٤)
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٣١٥.
(٢) مجمع البيان ٩ / ١٧٣ ـ ١٧٤.
(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٠٩.
(٤) تفسير النيسابوريّ ٢٦ / ٤٦.