قال : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(١) ، وداوود بكى على خطيئته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنّها معبر فاعبروها ولا تعمروها. وقال الله في آدم : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٢) وفي يونس : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ). (٣) ويجوز أن يكون للبيان فيكون أولو العزم صفة الرسل كلّهم. (وَلا تَسْتَعْجِلْ) لكفّار قريش بالعذاب ؛ أي : لا تدع لهم بتعجيله ؛ فإنّه نازل بهم لا محالة وإن تأخّر. وإنّهم يستقصرون مدّة لبثهم حينئذ في الدنيا حتّى يحسبوها (ساعَةً مِنْ نَهارٍ). (بَلاغٌ) : هذا بلاغ ؛ أي : هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة. أو : هذا تبليغ من الرسول. (فَهَلْ يُهْلَكُ) إلّا الخارجون عن الاتّعاظ به. (٤)
(فَاصْبِرْ) على أذى هؤلاء الكفّار (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). من هنا للتبعيض. وهو قول أكثر المفسّرين والظاهر في روايات أصحابنا. ثمّ اختلفوا فقيل : أولو العزم من أتى بشريعة نسخت شريعة من تقدّمه. وهم خمسة : نوح ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ موسى ، ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد صلوات الله عليهم. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام. وقيل : هم الذين أمروا بالجهاد والقتال. وقيل : هم أربعة : إبراهيم ، ونوح ، وهود ، ومحمّد عليهمالسلام. والعزم هو الوجوب والحتم. وأولو العزم من الرسل الذين شرعوا الشرائع وأوجبوا على الناس الأخذ بها والانقطاع عن غيرها. (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب في الآخرة. (لَمْ يَلْبَثُوا) ؛ أي : إذا عاينوا العذاب صار طول مكثهم في الدنيا والبرزخ كأنّه ساعة من نهار. لأنّ ما مضى كأن لم يكن وإن كان طويلا. وتمّ الكلام ثمّ قال : (بَلاغٌ) ؛ أي : هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم. والبلاغ بمعنى التبليغ. وقيل : معناه : ذلك اللّبث [بلاغ]. (٥)
عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٦) قال : عهد إليه في محمّد والأئمّة عليهمالسلام من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أنّهم هكذا. وإنّما سمّي أولو العزم لأنّهم عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده والمهديّ و
__________________
(١) الشعراء (٢٦) / ٦١ ـ ٦٢.
(٢) طه (٢٠) / ١١٥.
(٣) القلم (٦٨) / ٤٨.
(٤) الكشّاف ٤ / ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٥) مجمع البيان ٩ / ١٤٣.
(٦) طه (٢٠) / ١١٥.