فقابلهم بالاجتهاد في إزاحة باطلهم. (جِهاداً كَبِيراً). لأنّ مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف. أو لأنّ مخالفتهم ومعاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوّهم وظهورهم. أو لأنّه جهاد مع كلّ الكفرة ، لأنّه مبعوث إلى كافّة القرى. ويدلّ على أنّ من أجلّ الجهاد جهاد المتكلّمين في ردّ شبه المبطلين. (١)
[٥٣] (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣))
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ). سمّى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين. والفرات : البليغ العذوبة. والأجاج نقيضه. ومرجهما : خلّاهما متجاورين متلاصقين بحيث لا يتمازجان. من مرج دابّته ، إذا خلّاها في المرج ، وهو المرعى. (بَرْزَخاً) ؛ أي : حاجزا من قدرته. (وَحِجْراً مَحْجُوراً). هذه هي الكلمة السابقة التي يقولها المتعوّذ وهي هنا واقعة على سبيل المجاز. كأنّ كلّ واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه [ويقول له : حجرا محجورا. كما قال : (لا يَبْغِيانِ)(٢) ؛ أي : لا يبغي أحدهما على صاحبه] بالممازجة. فانتفاء البغي ثمّ كالتعوّذ هاهنا ؛ جعل كلّ واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه فهو يتعوّذ منه. وهي من أحسن الاستعارات. وقيل : [حدّا] محدودا. وذلك كدجلة تدخل البحر فتشقّه وتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر طعمها. وقيل : المراد بالبحر العذب النهر العظيم مثل النيل ، والملح البحر الكبير ، وبالبرزخ ما يحول بينهما من الأرض. فيكون القدرة في الفضل واختلاف الصفة مع أنّ مقتضى طبيعة كلّ [أجزاء] عنصر أن تضامّت وتلاصقت وتشابهت في الكيفيّة. (٣)
(حِجْراً مَحْجُوراً) ؛ يعني : حراما محرّما بأن يغيّر أحد منهما طعم الآخر. (٤)
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ٢٧٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٤٤.
(٢) الرحمن (٥٥) / ٢٠.
(٣) الكشّاف ٣ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥.
(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ١١٥.