(تمنى كتاب الله أول ليلة) ـ أو يكون من تمنّي القلب. فعلى الأوّل معناه : انّ من أرسل قبلك من الرسل كان إذا أدّى إلى قومه ، حرّفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا ؛ كما فعلت اليهود. وأضاف ذلك إلى الشيطان ، لأنّه يقع بغروره. (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) ؛ أي : يزيله. وخرج هذا على وجه التسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا كذب المشركون عليه وأضافوا إلى تلاوته في مدح آلهتهم ما لم يكن فيها. فيكون قوله : تلك الغرانيق العلى ، من كلام بعض الحاضرين من الكفّار أوهم أنّ ذلك من القرآن. وإن كان المراد تمنّي القلب ، فمعناه : انّ الرسول صلىاللهعليهوآله متى تمنّى بقلبه شيئا ، وسوس إليه الشيطان بالباطل يدعوه إليه ، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من ترك استماع غروره. وما قالوه في تلك الرواية ، إن وقع منه عمدا ، فمناف للآيات والأخبار ؛ وإن وقع سهوا ، فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ونظمها. وقيل : إنّ المراد بالغرانيق الملائكة وقد جاء في ذلك الحديث فتوهّم المشركون أنّه يريد آلهتهم. وقيل : إنّ ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة فلمّا ظنّ المشركون المراد به آلهتهم ، نسخت تلاوته. ويجوز أن يكون لمّا انتهى النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى ذكر اللّات والعزّى ، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا صوته فألقاهما في تلاوته في غمار الناس فظنّ الجهّال أنّ ذلك من قول النبيّ فسجدوا عند ذلك. والغرانيق : جمع غرنوق ؛ وهو الحسن الجميل. (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) ؛ أي : يبقي آياته وأوامره محكمة لا سهو فيها ولا غلط. (١)
(مِنْ رَسُولٍ). من هنا زائدة. وإنّما ذكر لفظي النبيّ والرسول لاختلاف فائدتهما. فالرسول من أرسله الله ولا يحمل عند الإطلاق على غير الرسول صلىاللهعليهوآله ، والنبيّ الذي له الرفعة العظيمة بالإرسال. فهما واحد إلّا أنّ الرسول يعمّ الملائكة والبشر. فلذلك جمع بينهما. (وَما أَرْسَلْنا). متّصل بما تقدّم من أحوال الكفّار وتمتّعهم بالدنيا. ولمّا رأى النبيّ صلىاللهعليهوآله ما بأصحابه من الإقتار ، تمنّى لهم الدنيا ، فبيّن سبحانه أنّ ذلك من وساوس الشيطان وأنّ ما
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ١٤٤ ـ ١٤٦.