[٤٦] (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦))
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ؛ أي : أفلم يسر قومك ـ يا محمّد ـ في أرض اليمن والشام. حثّ لهم إلى أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا. وهم ، وإن كانوا قد سافروا ، لكن لم يسافروا لذلك. (يَعْقِلُونَ بِها) ما نزل بمن كذّب قبلهم. أو : يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال. (يَسْمَعُونَ بِها) أخبار الأمم المكذّبة ، أو ما يجب أن يسمع من الوحي. (فَإِنَّها). الضمير للقصّة. والجملة بعدها تفسيرها. (تَعْمَى الْقُلُوبُ) عن الاعتبار ؛ أي : ليس الخلل في مشاعرهم وإنّما إيفت قلوبهم باتّباع الهوى والانهماك في التقليد. وذكر الصدور للتأكيد. وقيل : لمّا نزل : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى). (١) قال ابن أمّ مكتوم : يا رسول الله ، أنا في الدنيا أعمى. أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت. (٢)
إن قلت : أيّ فائدة في ذكر الصدور؟ قلت : الذي تعورف أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر واستعماله في القلب استعارة ومثل. فلمّا أريد إثبات ما هو خلاف الحقيقة ، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف. (٣)
[٤٧] (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧))
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمّد. أي : يستبطئون العذاب الذي وعدتهم نزوله. (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) في إنزال العذاب بهم. قال ابن عبّاس : يعني يوم بدر. (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ). فيه وجوه. أحدها : انّ يوما من أيّام الآخرة يكون كألف سنة من أيّام الدنيا. ومعناه أنّهم يستعجلون العذاب وإنّ يوما من أيّام عذابهم في الآخرة كألف سنة منه في الدنيا. و
__________________
(١) الإسراء (١٧) / ٧٢.
(٢) مجمع البيان ٧ / ١٤٢ ، تفسير البيضاويّ ٢ / ٩١ ـ ٩٢.
(٣) الكشّاف ٣ / ١٦٢.