داوود. وإنّما كانت صفائح جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين. فهو أوّل من سردها وحلّقها فجمعت الخفّة والتحصين. فهو قوله : (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) ؛ أي : لتحرزكم وتمنعكم من وقوع السلاح فيكم. وقيل : (مِنْ بَأْسِكُمْ) ؛ أي : من حربكم. فإنّ البأس في اللّغة هو شدّة القتال. (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) لنعم الله عليكم وعلى أنبيائه قبلكم؟ وهذا تقرير للخلق على شكره. فإنّ إنعامه على الأنبياء إنعام على الخلق. وقيل : إنّ سبب إلانة الحديد لداوود أنّه كان نبيّا ملكا وكان يطوف في ولايته متنكّرا يتعرّف أحوال عمّاله. فاستقبله جبرئيل ذات يوم على صورة آدميّ وسلّم عليه. فردّ السّلام وقال : ما سيرة داوود؟ فقال : نعمت السيرة لو لا خصلة فيه. فقال : وما هي؟ قال : إنّه يأكل من بيت مال المسلمين. فشكره وأثنى عليه وقال : لقد أقسم داوود أنّه لا يأكل من بيت مال المسلمين. فعلم الله صدقه فألان له الحديد. (١)
(لِتُحْصِنَكُمْ). في قراءة ابن عامر وحفص بالتاء. وفي قراءة أبي بكر بالنون. والباقون :
ليحصنكم بالياء. (٢)
[٨١] (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١))
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) ؛ أي : وسخّرنا لسليمان الريح. و (عاصِفَةً) حال. أي : شديدة الهبوب. قال ابن عبّاس : إذا أراد أن يعصف الريح عصفت وإذا أراد أن ترخي أرخت. وذلك قوله : (رُخاءً حَيْثُ أَصابَ). (٣)(بِأَمْرِهِ) ؛ أي : بأمر سليمان. (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا). هي أرض الشام. لأنّها كانت مأواه. وقيل : كانت الريح تجري به في الغداة مسيرة شهر وفي الرواح كذلك. وكان يسكن بعلبكّ ويبني له بيت المقدس ويحتاج إلى الخروج إليها وإلى غيرها. وكان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم له الإنس والجنّ حتّى يجلس على سريره و
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ٩٢.
(٢) مجمع البيان ٧ / ٩٠.
(٣) ص (٣٨) / ٣٦.