(يَسْئَلُونَكَ) ؛ أي : يسألك منكر والبعث عند ذكر القيامة (عَنِ الْجِبالِ) ما حالها. (فَقُلْ) يا محمّد صلىاللهعليهوآله : (يَنْسِفُها رَبِّي) ؛ أي : يجعلها بمنزلة الرمل ثمّ يرسل الرياح فتذريها. وقيل : يصيّرها كالهباء. (فَيَذَرُها قاعاً) : ملساء (صَفْصَفاً) ؛ أي : أرضا مستوية ليس للجبل فيها أثر. (عِوَجاً وَلا أَمْتاً). العوج : ما انخفض من الأرض. والأمت : ما ارتفع من الروابي. (١)
(عِوَجاً). فإن قلت : فرّقوا بين العوج بالكسر والفتح. فالأوّل في المعاني ، والثاني في الأعيان. والأرض عين. فكيف صحّ فيها مكسور العين؟ قلت : اختيار هذا اللّفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء ونفي الاعوجاج. وذلك أنّك لو عمدت إلى قطعة أرض وبالغت في تسويتها على عيون البصراء واتّفقتم على أنّه لم يبق فيها اعوجاج ثمّ استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسيّة ، لعثر فيها على اعوجاج لا يدرك بحاسّة البصر. فنفى الله ذلك العوج الذي لطف عن الإدراك إلّا بمقاييس الهندسة. وذلك الاعوجاج لمّا لم يدرك إلّا بالقياس دون الإحساس ، لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسر. (٢)
[١٠٨] (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨))
(يَوْمَئِذٍ) ؛ أي : يوم إذا نسفت. ويجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة. (يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) : داعي الله إلى المحشر. قيل : هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كلّ أوب إلى صوبه لا يميلون عنه ولا يعدلون عن ندائه. أي : يتّبعونه سراعا ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا. وهو معنى قوله : (لا عِوَجَ لَهُ). (وَخَشَعَتِ) ؛ أي : خضعت الأصوات بالسكون لعظمة الرحمن فلا تسمع إلّا صوتا خفيّا. وقيل : معناه : انّ الأصوات العالية بالأمر والنهي في
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ٤٨.
(٢) الكشّاف ٣ / ٨٨.