دعاه موسى إلى الإقرار بالبعث. أي : فما بالهم لم يبعثوا؟ (لا يَضِلُّ رَبِّي) ؛ أي : لا يذهب عليه شيء ولا ينسى ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم. ويجوز أن يكون سؤاله دخلا على إحاطة قدرة الله بالأشياء كلّها وتخصيصه أبعاضها بالصور والخواصّ المختلفة بأنّ ذلك يستدعي علمه بتفاصيل الأشياء وجزئيّاتها والقرون الخالية مع كثرتهم وتمادي مدّتهم كيف أحاط علمه بهم وأحوالهم. فيكون معنى الجواب أنّ علمه محيط بذلك كلّه وأنّه مثبت عنده لا يضلّ ولا ينسى. (١)
[٥٣] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣))
(الَّذِي جَعَلَ). صفة ربّي. (مَهْداً) ؛ أي : فرشا. «ومهادا» (٢) ؛ أي : فراشا. (وَسَلَكَ لَكُمْ) ؛ أي : سهّل لكم في الأرض طرقا تسلكونها. (أَزْواجاً) ؛ أي : أصنافا. سمّيت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. (مِنْ نَباتٍ شَتَّى) ؛ أي : متفرّقات في الصور والأغراض والمنافع. (٣)
[٥٤] (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤))
(كُلُوا). حال من ضمير فأخرجنا على إرادة القول. أي : أخرجنا أصناف النبات قائلين : كلوا وارعوا. والمعنى : معدّيهما لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه. (٤)
(إِنَّ فِي ذلِكَ) ؛ أي : فيما ذكر لدلالات لأولي العقول الذين ينتهون عمّا حرّم الله عليهم. إنّما قيل لأولي العقول [أولو النهى] لأنّهم ينهون الناس عن القبائح. وقيل : لأنّه ينتهى إلى آرائهم. (٥)
عن أبي عبد الله عليهالسلام : نحن ـ والله ـ أولو النهى. وهو ما أخبر الله ورسوله ممّا يكون بعده
__________________
(١) مجمع البيان ٧ / ٢٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.
(٢) قرأأهل الكوفة و... : «مَهْداً» والباقون : «مِهاداً». (مجمع البيان ٧ / ٢١)
(٣) مجمع البيان ٧ / ٢٣ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٤٩.
(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٥٠.
(٥) مجمع البيان ٧ / ٢٣ و ٢١.