رَبُّكَ نَسِيًّا).
(ما بَيْنَ أَيْدِينا) ؛ أي : يعلم قدّامنا وما خلفنا من الجهات والأماكن وما نحن فيها ، فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلّا بأمر المليك. وقيل : ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة. (وَما بَيْنَ ذلِكَ) : ما بين النفختين ؛ وهو أربعون سنة. وقيل : ما مضى من أعمارنا وما غبر منها والحال التي نحن فيها. (١)
(وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا). إمّا أن يكون من كلام الملائكة ـ أي : لا يجوز عليه الغفلة والنسيان ، فأنّى لنا أن نتقلّب في ملكوته إلّا إذا أطلق الإذن فيه ـ أو من كلام الله وقد تمّ حكاية كلام الملائكة. يعني أنّه ما نسيك ـ يا محمّد ـ وإن أخّر الوحي عنك. لأنّه لمّا احتبس الوحي قال المشركون فيه : ودّعه ربّه وقلاه ، فنزلت هذه الآية وسورة والضحى.
[٦٥] (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : خالقهما ومدبّرهما. (فَاعْبُدْهُ) ؛ أي : حين عرفته على هذه الصفة ، فاعبده حتّى يثيبك ـ يا محمّد ـ كما أثاب المتّقين غيرك. (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) ؛ أي : اثبت وتحمّل المشاقّ لعبادته. من قوله في المحارب (٢) : اصطبر لقرنك. وإلّا فصلة الاصطبار على ؛ كقوله : (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها). (٣)
(سَمِيًّا) ؛ أي : لم يسمّ شيء بالله قطّ. وكانوا يقولون لأصنامهم آلهة. وعن ابن عبّاس : لا يسمّى أحد الرحمن غيره. أو : هل تعلم له مثلا وشبيها. أي : إذا صحّ أن لا معبود يوجّه إليه العبادة إلّا هو ، فلا بدّ من عبادته وتحمّل المشّاق عليها. (٤)
[٦٦] (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦))
__________________
(١) انظر : الكشّاف ٣ / ٢٩.
(٢) كذا. والصحيح : كقولك للمحارب».
(٣) طه (٢٠) / ١٣٢.
(٤) الكشّاف ٣ / ٣٠ ـ ٣١.