أمّه فيرى الدنيا. ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها. ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا. وقد سلّم الله على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته. (١)
[١٦] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦))
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ). شروع في ابتداء خلق عيسى عليهالسلام. ولا ريب أنّ خلق الولد بين شيخين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من تخليق الولد من غير أب. ولهذا أخّرت قصّة عيسى عن قصّة يحيى ترقّيا من باب التفهيم من الأدنى إلى الأعلى. (٢)
(فِي الْكِتابِ) ؛ أي : في القرآن. (مَرْيَمَ). يعني قصّتها. (إِذِ انْتَبَذَتْ) : إعتزلت. بدل من مريم بدل الاشتمال. (شَرْقِيًّا) ؛ أي : شرقيّ بيت المقدس. أو : شرقيّ بيتها. ولذلك اتّخذت النصارى المشرق قبلة. و (مَكاناً) ظرف أو مفعول لأنّ انتبذت متضمّنة معنى أتت. (٣)
قيل : إنّها تمنّت أن تجد خلوة فتفلي رأسها. فخرجت في يوم شديد البرد فجلست في مشرقة للشمس. (٤)
[١٧] (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧))
(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ) : فضربت من دون أهلها حجابا وسترا لئلّا يروها. (رُوحَنا). يعني جبرئيل عليهالسلام. فإنّه روحانيّ. وأضافه إلى نفسه تشريفا له. فانتصب بين يديها في صورة آدميّ صحيح. (٥)
(بَشَراً سَوِيًّا). أتاها جبرئيل متمثّلا بصورة شابّ أمرد سويّ الخلق لتستأنس بكلامه. ولعلّه لتهييج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها. (٦)
أقول : هذا كلام من قاس حال البتول مريم على بنات نفسه حتّى صدرت منه هذه
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ / ٢٠١ ، ح ١١.
(٢) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ٣٨.
(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٨.
(٤) مجمع البيان ٦ / ٧٨٣.
(٥) مجمع البيان ٦ / ٧٨٣.
(٦) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٨.