الاستثناء الذي فيه إطماع. (حَكِيمٌ عَلِيمٌ) بأنّ الكفّار يستوجبون عذاب الأبد. (١)
(إِلَّا ما شاءَ اللهُ). في معنى هذا الاستثناء أقوال : أحدها ما روي عن ابن عبّاس أنّه قال : كان وعيد الكفّار مبهما غير مقطوع به ، ثمّ قطع به في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ). (٢) وثانيها أنّ الاستثناء باعتبار ما قبل دخول النار وهو عرصات القيامة والقبر. وثالثها أنّ الاستثناء لغير الكفّار من عصاة المسلمين الذين في مشيّة الله إن شاء عذّبهم عدلا وإن شاء عفا عنهم فضلا. ورابعها أنّ معناه : إلّا ما شاء الله ممّن آمن منهم. (٣)
[١٢٩] (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)
(نُوَلِّي) ؛ أي : نخلّيهم حتّى يتولّى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الإنس. (٤)
(نُوَلِّي) : نكل بعضهم إلى بعض. أو : نجعل بعضهم يتولّى بعضا فيغويهم (٥) أولياء بعض وقرناءهم في العذاب كما كانوا في الدنيا. (يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي. (٦)
[١٣٠] (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠))
(رُسُلٌ مِنْكُمْ). الرسل من الإنس خاصّة ، ولكن لمّا جمعوا مع الجنّ في الخطاب ، صحّ ذلك. كقوله : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(٧) والمرجان يخرج من المالح دون العذب. وتعلّق بظاهره قوم وقالوا : بعث إلى كلّ من الثقلين رسل من جنسهم. وقيل : الرسل من الجنّ رسل الرسل. لقوله : (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). (٨)(يَوْمِكُمْ هذا) : يوم القيامة. (قالُوا) : في
__________________
(١) الكشّاف ٢ / ٦٤ ـ ٦٦.
(٢) النساء (٤) / ٤٨.
(٣) مجمع البيان ٤ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥.
(٤) الكشّاف ٢ / ٦٦.
(٥) كذا في المصدر. والظاهر زيادة (يتولى بعضا فيغويهم) كما يظهر من عبارة الكشّاف.
(٦) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٢١.
(٧) الرحمن (٥٥) / ٢٢.
(٨) الأحقاف (٤٦) / ٢٩.