سبحانه الحقّ والإسلام بالماء الصافي النافع للخلق والباطل بالزبد الذاهب باطلا. وقيل : إنّه مثل للقرآن النازل من السماء ثمّ تحتمل القلوب حظّها من اليقين والشكّ على قدرها. فالماء مثل لليقين والزبد مثل الشكّ. عن ابن عبّاس. ثمّ ذكر المثل الآخر فقال : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) كالذهب والرصاص والحديد (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) ؛ أي : طلب زينة تتّخذ منه كالذهب والفضّة (أَوْ مَتاعٍ) ؛ أي : ابتغاء متاع ينتفع به مثل جواهر الأرض يتّخذ أواني وغيرها. (زَبَدٌ مِثْلُهُ) ؛ أي : مثل زبد الماء. فإنّ زبدها خبثها الذي تميّزه النار وتخرجه. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ [وَالْباطِلَ) ؛ أي : مثل الحقّ والباطل. و] ضرب المثل تسييره في البلاد حتّى يتمثّل به الناس. (جُفاءً) ؛ أي : باطلا متفرّقا لا ينتفع به. (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) وهو الماء الصافي والأعيان التي ينتفع بها (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) للانتفاع بها. فمثل المؤمن واعتقاده كمثل هذا الماء المنتفع به في نبات الأرض وحياة كلّ شيء وكمثل نفع الذهب والفضّة ونحوها. ومثل الكافر وكفره كمثل هذا الزبد وكمثل خبث الحديد وأوساخ الذهب والفضّة. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) للناس في أمر دينهم. قال قتادة هذه ثلاثة أمثال ضربها الله في مثل واحد. شبّه نزول القرآن بالماء الذي ينزل من السماء. وشبّه القلوب بالأودية والأنهار. فمن استقصى في تدبيره وتفكّره في معانيه ، أخذ حظّا عظيما منه ، كالنهر الكبير الذي يأخذ الماء الكثير. ومن رضي بها ، أدّاه إلى التصديق بالحقّ على الجملة ، كان أقلّ حظّا منه كالنهر الصغير. فهذا مثل. ثمّ مثّل الخطرات ووساوس الشيطان بالزبد يعلو على الماء ، وشبّه الحقّ بالماء الصافي. فكما يذهب الزبد باطلا وتبقى صفوة الماء ، كذلك يذهب مخايل الشكّ هباء باطلا ويبقى الحقّ. فهذا مثل ثان. والمثل الثالث قوله : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) ـ إلى آخره. فالكفر مثل هذا الخبيث الذي لا ينتقع به ، والإيمان مثل الصافي الذي ينتفع به. وتمّ الكلام عند قوله : (الْأَمْثالَ) ثمّ استأنف : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) ، وقيل : متّصل بما قبله. لأنّ معناه : الذي يبقى مثل الذين استجابوا ، والذى يذهب جفاء مثل الذي لا يستجيب. والمراد به : للّذين استجابوا دعوة الله وآمنوا به. (جُفاءً). نصب على الحال.