قصدهنّ من هذا القول كان أن تريهنّ يوسف لما وصف لهنّ من حسنه. وقيل : لأنّها أظهرت لهنّ حبّها إيّاه واستكتمتهنّ ذلك ، فأظهرنه ، فسمّى ذلك مكرا. قيل : اتّخذت مائدة ودعت أربعين امرأة منهنّ وأعتدت لهنّ وسائد يتّكئن عليها. وقيل : المتّكأ : الطعام. من قولهم : اتّكأنا عند فلان ؛ أي : أطعمنا عنده. (أَكْبَرْنَهُ) ؛ أي : أعظمنه وتحيّرن في جماله فجرحن أيديهنّ ، أو أبنّ ، ولم يجدن ألم القطع. (حاشَ لِلَّهِ) ؛ أي : بعد يوسف عن هذا الذي رمي به لله ؛ أي : لخوفه ومراقبته أمر الله. هذا قول أكثر المفسّرين. وقال آخرون. هذا تنزيه له من شبه البشر. يعني أنّه منزّه عن البشريّة وليس خلقته خلقة البشر ولكنّه ملك كريم لحسنه ولطافته. وقيل : في عفّته. (مُتَّكَأً). عن أبي جعفر بغير همز مشدّدة التاء. قالوا : المتّك : الأترج. واحده متّكة. وقيل : هو الزماورد. (حاشَ لِلَّهِ). أبو عمرو : حاشى الله» (١)
(بِمَكْرِهِنَّ) ؛ أي : اغتيابهنّ. سمّاه مكرا لأنّهنّ أخفينه كما يخفي الماكر مكره. (مُتَّكَأً). قيل : المتّكأ طعام يحزّ حزّا كأنّ القاطع يتّكئ عليه بالسكّين. (أَكْبَرْنَهُ). قيل : أكبرن بمعنى حضن. من أكبرت المرأة ، إذا حاضت. لأنّها تدخل الكبر بالحيض. والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف على حذف اللّام. أي : حضن له من شدّة الشبق. (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) تنزيها له من صفات العجز وتعجّبا من قدرته على خلق مثله. وأصله : حاشا ، فحذف ألفه الأخيرة تخفيفا. واللّام للبيان ؛ كما في قولك : سقيا لك. وقيل : حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف. أي : صار في ناحية الله ممّا يتوهّم فيه. (٢)
[٣٢] (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)
(فَذلِكُنَّ) ؛ أي : هو ذلك العبد الكنعانيّ الذي لمتنّني في الافتتان به قبل أن تتصوّرنه حقّ تصوّره. أو : فهذا هو الذي لمتنّني فيه. فوضع «ذلك» موضع هذا رفعا لمنزلة المشار إليه. (وَ
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣ و ٣٤٩.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٤٨٢.