خبلك ومسّك بجنون لسبّك إيّاها وعداوتك لها ، مكافاة لك منها على سوء فعلك فمن ثمّ تتكلّم بكلام المجانين. فسمّوا التوبة والاستغفار جنونا. وهذا يدلّ على جهل مفرط حيث اعتقدوا في حجارة أنّها تنتصر وتنتقم ولعلّهم يجيزون عليها الثواب أيضا! (أُشْهِدُ اللهَ). من أعظم الآيات أن يواجه رجل واحد بهذا الكلام أمّة عطاشا إلى إراقة دمه. وذلك لثقته بعصمة ربّه. وقد أكّد براءته من آلهتهم وشركهم بما جرت به عادة الناس من توثيقهم الأمور بشهادة الله وشهادة العباد. فإن قلت : هلّا قيل : أشهد الله وأشهدكم؟ قلت : لأنّ إشهاد الله على البراءة من الشرك إشهاد صحيح ثابت في معنى تثبيت التوحيد ، وأمّا إشهادهم فما هو إلّا تهاون بدينهم [و] دلالة على قلّة المبالاة بهم. فعدل به عن لفظ الأوّل لاختلاف ما بينهما وجيء به على لفظ الأمر حملا على المتعارف ؛ كما يقول الرجل لعدوّه : اشهد على أنّي لا أحبّك ، استهانة به. (مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ) ؛ أي : من جعلكم له شركاء من دونه. [أو : ممّا تشركونه من آلهة من دونه.] أي لم يجعلها هو شركاء ولم ينزل بذلك سلطانا. (فَكِيدُونِي جَمِيعاً) أنتم وآلهتكم. فإنّي لا أبالي بكم وأنتم الأقوياء ، فكيف تضرّني آلهتكم وما هي إلّا جماد؟ وكيف تنتقم منّي إذا نلت منها بأن تذهب بعقلي؟ (١)
(لا تُنْظِرُونِ) ؛ أي : اعجلوا ولا تمهلوني. (ع)
[٥٦] (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)
(آخِذٌ بِناصِيَتِها). كناية عن القهر والقدرة. لأنّ من أخذ بناصية غيره ، فقد قهره. (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ؛ أي : مع كونه قاهرا على عدل فيما يعامل به عباده. (٢)
(عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده معتصم به. (٣)
__________________
(١) الكشّاف ٢ / ٤٠٣ ـ ٤٠٤.
(٢) مجمع البيان ٥ / ٢٥٩.
(٣) الكشّاف ٢ / ٤٠٤.