ذلك المنزل على غيره من المنازل كفضل الصدق على الكذب. وقيل : معناه : أنزلناهم في موضع خصب يصدق فيما يدلّ عليه من جلالة النعمة. وقيل : يريد به مصر. وذلك أنّ موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا ورجع إلى مصر وتبوّأ مساكن آل فرعون. (مِنَ الطَّيِّباتِ) ؛ أي : الأشياء اللّذيذة. (فَمَا اخْتَلَفُوا) في تصديق محمّد صلىاللهعليهوآله وكانوا مقرّين به قبل مبعثه ـ (حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) وهو القرآن الذي جاء به محمّد. وقال الفرّاء : العلم محمّد ، لأنّه كان معلوما عندهم مبعثه ، فلمّا جاءهم اختلفوا في تصديقه فكفر به أكثرهم. وقيل : معناه : ما اختلف بنو إسرائيل إلّا من بعد ما جاءهم العلم بالحقّ على يد موسى وهارون. فإنّهم كانوا مطبقين على الكفر [قبل مجيء موسى ، فلمّا جاءهم آمن به بعضهم وثبت على الكفر] بعضهم فصاروا مختلفين. (١)
[٩٤] (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ)
اختلف المفسّرون فيه على أقوال. أوّلها : قال الزجّاج : إنّ هذه الآية قد كثر السؤال عنها. وفي هذه السورة ما يدلّ على بيانها وهذا الخطاب للخلق أي : (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي). (٢) وهذا هو المرويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام. (٣) وثانيها : انّ الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوآله وهو غير شاكّ ولكن أخرج الكلام مخرج الإفهام. أي : لو كنت ممّن يشكّ فشككت فاسأل. وثالثها : الخطاب لغير النبيّ. أي : إن كنت أيّها السامع في شكّ ممّا أنزلنا إليك على لسان نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله. والمراد بسؤال أهل الكتاب من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار. أو يكون المراد : اسألهم عن صفة النبيّ المبشّر به في كتبهم ثمّ انظر فيما وافق تلك الصفة. وهذا
__________________
(١) مجمع البيان ٥ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.
(٢) لا تفيد العبارة الملخّصة في هذه الفقرة مراد القائل. فليراجع المصدر.
(٣) المصدر : «وروي عن الحسن و... أنّهم قالوا : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يشكّ ولم يسأل. وهو المرويّ أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام.» فالظاهر أنّ نسبة قول الزجّاج إليه عليهالسلام خطأ.