لغيره. قال قتادة : اثنان فعلهما النبيّ لم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين ؛ وأخذه الفداء من الأسارى. فعاتبه الله كما تسمعون. وهذا من لطيف المعاتبة ؛ بدأ بالعفو قبل العتاب. قال الجبّائيّ : قد كان هذا صغيرة. لأنّه لا يقال في المباح : لم فعلته؟ وهذا غير صحيح لأنّه يجوز أن يقال فيما غيره أفضل منه : لم فعلته؟ وكيف يكون إذنه لهم قبيحا وقد قال في موضع آخر : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ)؟ (١) وقيل : معناه : أدام الله لك العفو ؛ لم أذنت لهؤلاء في الخروج؟ لأنّهم استأذنوا فيه تملّقا ولو خرجوا لازدادوا الفساد ولم يعلم النبيّ صلىاللهعليهوآله ذلك من سريرتهم. (٢)
[٤٤] (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)
بيّن حال المؤمنين والمنافقين في الاستئذان. (لا يَسْتَأْذِنُكَ) ؛ أي : لا يطلب منك الإذن في القعود عن الجهاد معك بالمعاذير الفاسدة. وقيل : معناه : لا يستأذنك [في] الخروج ، لأنّه مستغن عنه بدعائك إلى ذلك ، بل يتأهّب له. (أَنْ يُجاهِدُوا) : في أن يجاهدوا. (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ) في التأخّر عن الجهاد. وقيل : في الخروج ، لأنّهم يستأذنون تملّقا. (٣)
[٤٥] (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)
(وَارْتابَتْ) : اضطربت وشكّت. (يَتَرَدَّدُونَ) ؛ أي : في شكّهم يذهبون ويرجعون. وأراد به المنافقين. أي : يتوقّعون الإذن لشكّهم في دين الله وفيما وعد المجاهدين. (٤)
(يَتَرَدَّدُونَ) ؛ أي : يتحيّرون. لأنّ التردّد ديدن المتحيّر. (٥)
__________________
(١) النور (٢٤) / ٦٢.
(٢) مجمع البيان ٥ / ٥١ ـ ٥٢.
(٣) مجمع البيان ٥ / ٥٢ ـ ٥٣.
(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٣.
(٥) الكشّاف ٢ / ٢٧٥.