وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل. فلمّا انكشف الغمام ، طلبوا منه الرؤية ، فأنكر عليهم. فقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً). (١)(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً). (٢) قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). يريد أن يسمعوا الردّ من جهته ، فأجيب : (لَنْ تَرانِي) ورجف بهم الجبل فصعقوا. ولمّا كانت الرجفة ، قال موسى : (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ). وهذا تمنّ منه للإهلاك قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية. (٣)
(قالَ رَبِّ) ؛ يعني : انّك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم وبإغراقهم في البحر وغيرها فترحّمت عليهم بالإنقاذ منها. فإن ترحّمت مرّة أخرى ، لم يبعد من عميم إحسانك. (٤)
(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) ؛ يعني : أتهلكنا جميعا ـ يعني نفسه وإيّاهم ـ لأنّهم طلبوا الرؤية سفها وجهلا؟ (فِتْنَتُكَ) ؛ أي : محنتك وابتلاؤك حتّى كلّمتني وسمعوا كلامك فاستدلّوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا حتّى افتتنوا وضلّوا. (تُضِلُّ) بالمحنة الجاهلين غير الثابتين في معرفتك وتهدي العالمين بك الثابتين بالقول الثابت. وجعل ذلك إضلالا من الله ، لأنّ المحنة والابتلاء سببه. (وَلِيُّنا) : القائم بأمورنا. (٥)
(مِنَّا). فأحياهم الله. (٦)
(فِتْنَتُكَ) ، حيث أوجدت في العجل خوارا فزاغوا. (خَيْرُ الْغافِرِينَ) تغفر السيّئة وتبدّلها بالحسنة. (٧)
[١٥٦] (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
__________________
(١) النساء (٤) / ١٥٣.
(٢) البقرة (٢) / ٥٥.
(٣) الكشّاف ٢ / ١٦٤.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٦٢.
(٥) الكشّاف ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٦) التوحيد / ٤٢٤.
(٧) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٦٢.