بِيَدَيَّ)(١). أي [بغير واسطة] ، وباعتبار الصورة ، كما نبّه عليه بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(٢) وباعتبار الغاية وهو ملاكه. ولذلك أمر الملائكة بسجوده لمّا بيّن أنّه أعلم منهم وأنّ له خواصّا ليست لغيره. ولعلّ [إضافة] خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب. (٣)
(طِينٍ). لم يعلم أنّ منافع الطين أكثر. لأنّ الأرض مستقرّ الخلق وفيها معايشهم. (٤)
ولا في (أَلَّا تَسْجُدَ) زائدة ، بدليل قوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) وفائدتها توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه. وأمّا فائدة سؤاله مع علمه تعالى بالمانع له ، فهو التوبيخ وإظهار معاندته وافتخاره بأصله وازدرائه بأصل آدم. (٥)
دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليهالسلام فقال : يا أبا حنيفة ، لا تقس. فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). فقاس ما بين النار والطين. ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار ، عرف ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر. (٦)
أقول : روي هذا المضمون بأسانيد متكثّرة وهو ناع على العمل بقياس الأولويّة لأنّه الذي قاس به الشيطان فغلط وكفر. والأخبار النافية لمطلق القياس متكثّرة لمن تتبّعها.
[١٣] (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)
(تَتَكَبَّرَ). عن الصادق عليهالسلام : الاستكبار أوّل معصية عصي الله بها. ولمّا قال الله لإبليس : (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) قال : يا ربّ وثواب عملى؟ قال : سلني من أمر الدنيا ما شئت لعملك أعطك. فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدين ، فقال : قد أعطيتك. فقال : سلّطني على ولد آدم. قال : سلّطتك. قال : أجرني فيهم مجرى الدم في العروق. قال : قد أجريتك. قال : لا يولد لهم واحد إلّا يولد لي اثنان وأراهم ولا يروني وأتصوّر لهم في كلّ صورة شئت. قال : قد
__________________
(١) ص (٣٨) / ٧٥.
(٢) ص (٣٨) / ٧٢.
(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٣٣٣.
(٤) مجمع البيان ٤ / ٦٢٠.
(٥) الكشّاف ٢ / ٨٩.
(٦) علل الشرائع / ٨٦ ، ح ١.