فكذلك إذا باع درهما بدرهمين. قلت : جيء به على طريق المبالغة ، وهو أنّه قد بلغ من اعتقادهم في حلّ الربا أنّهم جعلوه أصلا في الحلّ حتّى شبّهوا به البيع. (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). إنكار لتسويتهم بينهما ، ودلالة على أنّ القياس يهدمه النصّ لأنّه جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه. (١)
(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). قال ابن عبّاس : كان الرجل منهم إذا حلّ دينه على غريمه فطالبه به ، قال المطلوب منه : زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيتراضيان عليه ويعملان به. فإذا قيل لهما : هذا ربا؟ قالوا : هما سواء. يعني أنّ الزيادة في الثمن حال البيع والزيادة فيه بسبب الأجل عند محلّ الدين سواء. فذمّهم الله على ذلك وخطّأهم بقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) ؛ أي : زجر ونهي ، فانزجر ، فله ما أخذ وأكل قبل النهي لا يلزمه ردّه. (٢)
(مَوْعِظَةٌ). عن الباقر عليهالسلام : الموعظة التوبة. (٣)
عن الصادق عليهالسلام في رجل أربى بجهالة ثمّ أراد أن يتركه قال : ما مضى فله. وليتركه فيما يستقبل. (٤)
(فَانْتَهى). أي : لا يؤاخذ به لأنّه أخذه قبل نزول التحريم. (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) يحكم في شأنه يوم القيامة. وليس من أمره إليكم شيء فلا تطالبوه به. (وَمَنْ عادَ) إلى الربا (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). وفيه دليل على تخليد الفسّاق. (٥)
(وَأَمْرُهُ) ؛ أي : أمره بعد مجيء الموعظة والتحريم (إِلَى اللهِ) إن شاء عصمه عن أكله وثبّته في انتهائه عنه ، وإن شاء خذله. وقيل : معناه : أمره في حكم الآخرة [إلى الله] إن لم يتب وهو غير مستحلّ له ، إن شاء عذّبه بعدله وإن شاء عفا عنه بفضله. وقيل : معناه : وأمره إلى الله فلا يؤاخذه بما سلف من الربا. (وَمَنْ عادَ) إلى أكل الربا بعد التحريم وقال ما كان يقوله
__________________
(١) الكشّاف ١ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٧٠.
(٣) تفسير العيّاشيّ ١ / ١٥٢.
(٤) الكافي ٥ / ١٤٦.
(٥) الكشّاف ١ / ٣٢١.