(تِلْكَ الرُّسُلُ) ؛ أي : أولئك الذين تقدّم ذكرهم من الأنبياء في الكتاب. (فَضَّلْنا). إنّما ذكره لئلّا يغلط غالط فيسوّي بينهم في الفضل كما استووا في الرسالة. وقيل : أراد التفضيل في الآخرة لتفاضلهم في الأعمال وتحمّل الأثقال. وقيل : بالشرائع ؛ فمنهم من شرع ومنهم من لم يشرع. (كَلَّمَ اللهُ) ؛ أي : كلّمه الله. وهو موسى عليهالسلام. (بَعْضَهُمْ) ؛ أي : محمّدا صلىاللهعليهوآله. فضّله على جميع أنبيائه بأن بعثه إلى جميع المكلّفين وبأن أعطاه جميع ما أعطى من قبله. (الْبَيِّناتِ) : الدلالات ؛ كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ونحوه. (مِنْ بَعْدِهِمْ) ؛ أي : من بعد الرسل ومن بعد موسى وعيسى. ولو شاء الله لم يقتتل الذين من بعد الأنبياء بأن يلجئهم إلى الإيمان ويمنعهم عن الكفر ، إلّا أنّه مناف للتكليف. (مَنْ آمَنَ) بتوفيق الله وحسن اختياره. (مَنْ كَفَرَ) بسوء اختياره. (وَلَوْ شاءَ اللهُ). كرّر ذلك تأكيدا. وقيل : الأوّل مشيّة الإكراه. أي : ولو شاء الله اضطرّهم إلى حال يرتفع معها التكليف. والثاني الأمر للمؤمنين بالكفّ عن قتالهم. (يُرِيدُ) على ما يقتضيه الحكمة والمصلحة. (١)
[٢٥٤] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
(أَنْفِقُوا) شامل للإنفاق الواجب والمستحبّ. (يَوْمٌ) : يوم القيامة. (٢)
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا تقدرون فيه على تدراك ما فاتكم من الإنفاق. لأنّه (لا بَيْعٌ فِيهِ) حتّى تبتاعوا ما تنفقونه (وَلا خُلَّةٌ) حتّى يسامحكم أخلّاؤكم به. وإن أردتم أن يحطّ عنكم ما في ذمّتكم من الواجب ، لم تجدوا شفيعا يشفع لكم في حطّ الواجبات. لأنّ الشفاعة في زيادة الفضل لا غير. (٣)
ابن كثير وأبو عمرو : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) بالفتح فيها أجمع. (٤)
(وَلا خُلَّةٌ) ؛ أي : لا صداقة غيره. وهذا كقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
__________________
(١) مجمع البيان ٢ / ٦٢٢ ـ ٦٢٣.
(٢) مجمع البيان ٢ / ٦٢٤.
(٣) الكشّاف ١ / ٢٩٩.
(٤) مجمع البيان ٢ / ٦٢٤.