بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
(أَمْ تُرِيدُونَ). قال له المشركون من العرب : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ) إلى قوله : (قَبِيلاً). (١) وجه اتّصال هذه الآية بما قبلها أنّه لمّا دلّ الله بما تقدّم على تدبيره لهم فيما يأتي به من الآيات و [ما] ينسخه ، واختياره لهم ما هو الأصلح ، قال : أما ترضون بذلك؟ وكيف تتخيّرون محالات مع اختيار الله لكم ما يعلم فيه من المصلحة؟ فإذا أتى بآية تقوم بها الحجّة ، فليس لأحد الاعتراض عليها والاقتراح على غيرها. لأنّ ذلك بعد صحّة البرهان يكون تعنّتا. (٢)
(أَمْ) معادلة للهمزة في (أَلَمْ تَعْلَمْ). أي : ألم تعلموا أنّه مالك الأمور قادر على أن يأمر وينهى كما أراد؟ أم تعلمون وتقترحون بالسؤال كما اقترحت اليهود على موسى. أو منقطعة والمراد أن يوصيهم بترك الاقتراح عليه. قيل : نزلت في أهل الكتاب حين سألوا أن ينزّل [الله] عليهم كتابا من السماء. وقيل : في المشركين لمّا قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) ؛ أي : معراجك (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ). (٣)(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ) ؛ أي : من ترك الثقة بالآيات البيّنات وشكّ فيها واقترح غيرها ، فقد ضلّ الطريق المستقيم. (٤)
[١٠٩] (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
(كَثِيرٌ). يعني أحبار اليهود. (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) : أن يردّوكم. فإنّ (لَوْ) تنوب عن أن في المعنى دون اللّفظ. (كُفَّاراً) : مرتدّين. وهو حال من ضمير المخاطبين. (حَسَداً). علّة ودّ. (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ). يجوز أن يتعلّق بودّ. أي : تمنّوا ذلك عند أنفسهم وتشهّيهم ، لا من قبل التديّن والميل إلى الحقّ. أو بحسدا. أي : حسدا بالغا منبعثا من أصل نفوسهم. (الْحَقُّ)
__________________
(١) الإسراء (١٧) / ٩٠.
(٢) مجمع البيان ١ / ٣٥١ ـ ٣٥٢.
(٣) الإسراء (١٧) / ٩٣.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٨١.