[١٠٠] (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
(أَوَكُلَّما). الهمزة للإنكار. واعلم أنّه دلّ بالآيتين على أنّ جلّ اليهود أربع فرق : فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب ؛ وهم الأقلّون المدلول عليهم بقوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطّي حدودها تمرّدا وفسوقا ؛ وهم المعنيّون بقوله : (نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ). وفرقة لم يجاهروا بنبذها لكن نبذوا لجهلهم بها ؛ وهم الأكثرون. وفرقة تمسّكوا بها ظاهرا ونبذوها حقيقة عالمين بالحال بغيا وعنادا ؛ وهم المتجاهلون. (١)
أقول : من تتبّع أحوال المسلمين ، يرى أنّهم فعلوا بكتابهم من الإيمان به وعدمه ما فعلته اليهود بالتوراة. ولا آمن بالقرآن ظاهرا وباطنا إلّا من صدّق النبيّ وأهل بيته ؛ وهم الفرقة الناجية.
(أَوَكُلَّما عاهَدُوا). المراد به العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبيّ الأمّيّ. وقيل : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير عاهدوا الله أن لا يعينوا عليه أحدا فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ). أي المعاهدون لا الفريق ، لأنّهم كلّهم لا يؤمنون. (٢)
(أَوَكُلَّما). الواو للعطف على محذوف. معناه : أكفروا بالآيات. (نَبَذَهُ). واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود. (٣)
[١٠١] (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)
(كِتابَ اللهِ). يعني التوراة. لأنّهم بكفرهم برسول الله صلىاللهعليهوآله المصدّق لما معهم ، كافرون بها ، نابذون لها. وقيل : كتاب الله القرآن ؛ نبذوه بعد ما لزمهم تلقّيه بالقبول وراء ظهورهم.
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ١ / ٧٨.
(٢) مجمع البيان ١ / ٣٢٨.
(٣) الكشّاف ١ / ١٧١.