(في بيان قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) (٥٩) [الفرقان : الآية ٥٩])
(اعلم) أنه سبحانه لما أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يتوكل عليه وصف نفسه بأمور :
(أولها) : بأنه حي لا يموت ، وهو قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [الفرقان : الآية ٥٨].
(وثانيها) : أنه عالم بجميع المعلومات. وهو قوله : (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) [الفرقان : الآية ٥٨].
(وثالثها) : أنه قادر على كل الممكنات ، وهو المراد من قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : الآية ١]. فقوله : (الَّذِي خَلَقَ) متصل بقوله : (الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [الفرقان : الآية ٥٨]. لأنه سبحانه لما كان هو الخالق للسماوات والأرضين ولكل ما بينهما ثبت أنه هو القادر على وجود جميع المنافع ودفع المضار ، وإن النعم كلها من جهته فحينئذ لا يجوز التوكل إلا عليه ، وفي هذه الآية سؤالات :
(الأول) : الأيام عبارة عن حركات الكواكب الليلية فقبل الكواكب لا أيام فكيف قال الله تعالى : (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الأعراف : الآية ٥٤]. (الجواب) : يعني في مدة مقدارها هذه المدة لا يقال الشيء الذي يتقدر بمقدار محدود ويقبل الزيادة والنقصان والتجزئة لا يكون عدما محضا ، بل لا بد وأن يكون موجودا فيلزم من وجوده وجود مدة قبل وجود العالم وذلك يقتضي قدم الزمان. لأنا نقول هذا معارض بنفس الزمان ؛ لأن المدة المتوهمة المحتملة لعشرة أيام ، لا تحتمل خمسة أيام والمدة المتوهمة التي تحتمل خمسة أيام لا تحتمل عشرة أيام فيلزم أن يكون للمدة مدة أخرى ، فلما لم يلزم هذا لم يلزم ما قلتموه. وعلى هذا فنقول لعل الله سبحانه وتعالى خلق المدة أولا ، ثم خلق السماوات والأرض فيها بمقدار ستة أيام أي ستة أزمان مقدرات كالأيام ؛ لأن الله تعالى أشار في جملة آيات إلى ابتداء إحداث الذوات وبقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : الآية ٧]. وهذا إشارة لابتداء إحداث العالم ، وقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصّلت : الآية ١١]. أي بخار فأشار تعالى إلى أن الماء صار دخان وهو يدل على الزمان الثاني. وقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) [الرّعد : الآية ١٧]. فجعل تعالى البخار ماء لتولد الجزئيات التي لا تتجزأ ، وهذا إشارة