تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [الأنعام : الآية ٥٧]. وقوله : (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) [غافر : الآية ١٢]. وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الرّوم : الآية ٤]. إلا أنه مشكل بالآية والخبر أما الآية فقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) [النّور : الآية ٦٣]. وأما الخبر فقوله عليهالسلام إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم والجواب أن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم يدل على أن أمر الله قد حصل فيكون الموجب في الحقيقة هو أمر الله لا غيره والله أعلم.
(المسألة الثامنة):
قوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : الآية ٥٤]. يدل على أن لله أمرا ونهيا على عباده ، وأن له تكليفا على عباده ، والخلاف مع نفاة التكليف احتجوا عليه بوجوه :
(أولها) : أن المكلف به إن كان معلوم الوقوع كان واجب الوقوع ، فكان الأمر به أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال ، وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع فلا فائدة في الأمر به.
(وثانيها) : أن أمر الكافر والفاسق لا يفيد إلا الضرر المحض ؛ لأنه لما علم الله أنه لا يؤمن ولا يطيع امتنع أن يصدر عنه الإيمان والطاعة إلا إذا صار علم الله جهلا ، والعبد لا قدرة له على تجهيل الله وتعذر اللازم تعذر الملزوم ، فوجب أن يقال لا قدرة للكافر والفاسق على الإيمان والطاعة أصلا ، وإذا كان كذلك لم يحصل من الأمر به إلا مجرد استحقاقه العقاب ، فيكون هذا الأمر والتكليف إضرارا محضا من غير فائدة ألبتة وهو لا يليق بالرحيم الحكيم.
(وثالثها) : أن الأمر والتكليف إن لم يكن لفائدة فهو عبث ، وإن كان لفائدة عائدة إلى المعبود فهو محتاج وليس بإله ، وإن كان لفائدة عائدة إلى العابد فجميع الفوائد منحصرة في تحصيل النفع ودفع الضرر ، والله تعالى قادر على تحصيلها بالتمام والكمال من غير واسطة التكليف فكان توسيط التكليف اضرارا محضا من غير فائدة ، وهو لا يجوز.
(واعلم) أنه تعالى بين في هذه الآية أنه يحسن منه أن يأمر عباده ، وأن يكلفهم بما شاء ، واحتج عليه بقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : الآية ٥٤]. يعني لما كان الخلق منه ثبت أنه هو الخالق لكل العبيد ، وإذا كان خالقهم كان مالكهم ، وإذا كان مالكهم حسن منه أن يأمرهم وينهاهم ؛ لأن ذلك تصرف من المالك في ملك نفسه ، وذلك مستحسن فقول سبحانه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : الآية ٥٤]. يجري مجرى الدليل القاطع على أنه يحسن من الله أن يأمر عباده بما شاء كيف شاء.