أنا نسجد إلى القبلة لا للقبلة ، ولما استمرت هذه الحالة ظن الجهال من القوم أنه تجب عبادتها.
(وسادسها) : لعلهم كانوا مجسمين فاعتقدوا جواز حلول الرب فيها فعبدوها على هذا التأويل.
(وسابعها) : أن عبدة النار قلنا آنفا : لما تحققوا أن الجواهر الفردة ما تكونت فردة إلا بعد أن اشتعل أصل تكونها ومن ذلك تبين لهم أيضا : أن تحاليل الأشياء وانتقالاتها ليست إلا بإدخالها إلى النار ، وقد تحكم فيهم هذا الاعتقاد بمشاهدتهم انفتاق الأرض وخروج المياه والرمال والأحجار والنيران فتعاظم عندهم الأمر بأن النار هي الإله الأعظم فقدموا لها القرابين من البشر وغيرها. فهذه هي الوجوه التي يمكن حمل هذه المقالة عليها حتى لا يصير بحيث يعلم بطلانه بضرورة العقل.
(السؤال الخامس) : فإن قال قائل : لما رجع حاصل مذهب عبدة الأوثان إلى هذه الوجوه التي ذكرتها ، فمن أين يلزم من إثبات خالق العالم أن لا تجوز عبادة الأوثان.
(فالجواب) : أنه تعالى إنما نبه على كون الأرض والسماء مخلوقتين بما بينا أن الأرض والسماء تشاركان سائر الأجسام في الجسمية فلا بد وأن يكون اختصاص كل واحد منهما بما اختص به من الأشكال والصفات والأحياز بتخصيص مخصص ، وبينا أن ذلك المخصص لو كان جسما لافتقر هو أيضا إلى مخصص آخر فوجب أن لا يكون جسما إذا ثبت هذا فنقول : أما قول من ذهب إلى عبادة الأوثان بناء على اعتقاد الشبه فلما دللنا بهذه الدلالة على نفي الجسمية فقد بطل قوله وهذا هو القول الأول.
أما القول الثاني : وهو أن هذه الكواكب هي المدبرة لهذا العالم فلما أقمنا الدلالة على أن كل جسم فإنه يفتقر في اتصافه في كل ما اتصف به إلى الفاعل المختار بطل كونها آلهة وثبت أنها عبيد لا أرباب. وأما القول الثالث وهو قول أصحاب الطلسمات فقد بطل أيضا ؛ لأن تأثير الطلسمات إنما يكون بواسطة قوى الكواكب ، فلما دللنا على حدوث الكواكب ثبت قولنا وبطل قولهم ، وأما القول الرابع والخامس فليس في العقل ما يوجبه أو يحيله ، لكن الشرع الشريف لما منع منه وجب الامتناع عنه. وأما القول السادس فهو أيضا بناء على التشبيه فثبت بما قدمنا أن إقامة الدلالة على افتقار العالم إلى الصانع المختار المنزه عن الجسمية يبطل القول بعبادة الأوثان على كل التأويلات والله تعالى اعلم.
(السؤال السادس):
اعلم أن اليونانيين كانوا قبل خروج الإسكندر عمدوا إلى بناء هياكل لهم معروفة بأسماء