وذو صورة كأحسن ما يكون من الصور ، وهكذا حال الملائكة أيضا في صورهم
الحسنة ، وأنهم كلهم قد احتجبوا عنا بالسماء ، وأن الواجب عليهم أن يصوغوا تماثيل
أنيقة المنظر حسنة الرداء على الهيئة التي كانوا يعتقدونها من صور الإله والملائكة
فيعكفون على عبادتها قاصدين طلب الزلف إلى الله تعالى وملائكته ، وعبدة النيران
لما تحققوا أن أصل ابتداء الجواهر الفردة ما تكونت فردة إلا بعد أن اشتعلت أجل
عناصرها البخارية نارا فعلموا أن الإله نار فبقوا عاكفين على عبادة النار فإن صح
ما ذكره أبو مبشر ، فالسبب في عبادة الأوثان اعتقاد الشبه ، وعبادة النار اعتقاد
أنها الإله.
(وثانيها) : ما ذكره أكثر العلماء : وهو أن الناس رأوا تغيرات
أحوال هذه العوالم مربوطة بتغيرات أحوال الكواكب ، فإنه بحسب بعد الشمس وقربها عن
سمت الرأس تحدث الفصول المحتلفة والأحوال المتباينة ، ثم إنهم رصدوا أحوال سائر
الكواكب فاعتقدوا ارتباط السعادة والنحوسة في الدنيا بكيفية وقوعها في طوالع الناس
، فلما اعتقدوا ذلك بالغوا في تعظيمها ، فمنهم من اعتقد أنها أشياء واجبة الوجود
لذواتها ، وهي التي خلقت هذه العوالم ، ومنهم من اعتقد أنها مخلوقة للإله الأكبر ،
لكنها خالقة لهذا العالم ، فالأولون : اعتقدوا أنها هي الإله في الحقيقة ، والفريق
الثاني أنها هي الوسائط بين الله تعالى وبين البشر ، فلا جرم أنهم اشتغلوا
بعبادتها والخضوع لها ، ثم لما رأوا الكواكب مستترة في أكثر الأوقات عن الإبصار
اتخذوا لها أصناما وأقبلوا على عبادتها قاصدين بتلك العبادة تلك الأجرام العالية
ومتقربين إلى أشباحها الغائبة ثم لما طالت المدة ألغوا ذكر الكواكب ، وتجردوا
لعبادة تلك التماثيل ، وهؤلاء في الحقيقة عبدة الكواكب.
(وثالثها) : أن أصحاب الأحكام كانوا يبينون أوقاتا في السنين
المتطاولة نحو الألف والألفين ، ويزعمون أن من اتخذ طلسما : في ذلك الوقت على وجه
خاص فإنه ينتفع به في أحوال مخصوصة نحو السعادة والخصب ودفع الآفات ، وكانوا إذا
اتحذوا ذلك الطلسم عظموه لاعتقادهم أنهم ينتفعون به فلما بالغوا في ذلك التعظيم
صار ذلك كالعبادة ، ولما طالت مدة ذلك الفعل نسوا مبدأ الأمر واشتغلوا بعبادتها
على الجهالة بأصل الأمر.
(ورابعها) : أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون أنه مجاب الدعوة
ومقبول الشفاعة عند الله تعالى اتخذوا صنما على صورته يعبدونه على اعتقاد أن ذلك
الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله تعالى على ما أخبر الله تعالى عنهم
بهذه المقالة في قوله : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا
عِنْدَ اللهِ) [يونس : الآية ١٨].
(وخامسها) : لعلهم اتخذوها محاريب لصلواتهم وطاعاتهم ، ويسجدون
إليها لا لها كما