إنكار ذلك ، ولا بد فيه من دليل قطعا.
(السؤال الثاني):
لما كان قادرا على خلق هذه الثمار بدون هذه الوسائط فما الحكمة من خلقها بهذه الوسائط في هذه المدة الطويلة؟ فالجواب : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، ثم ذكر من الحكم المفصلة وجوها :
(أحدهما) : أنه تعالى إنما أجرى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على ترتيب وتدريج ؛ لأن المكلفين إذا تحملوا المشقة في الحرث والغرس طلبا للثمرات وكدوا أنفسهم في ذلك حالا بعد حال ، علموا أنهم لما احتاجوا إلى تحمل هذه المشاق لطلب هذه المنافع الدنيوية ؛ فلأن يتحملوا مشاق أقل من المشاق الدنيوية لطلب المنافع الأخروية التي هي أعظم من المنافع الدنيوية أولى ، وصار هذا كما قلنا : إنه تعالى قادر على خلق الشفاء من غير تناول الدواء ، لكنه أجرى عادته بتوقيفه عليه ؛ لأنه إذا تحمل مرارة الأدوية دفعا لضرر المرض ، فلأن يتحمل مشاق التكليف دفعا لضرر العقاب كان أولى.
(وثانيها) : أنه تعالى لو خلقها دفعة من غير هذه الوسائط لحصل العلم الضروري بإسنادها إلى القادر الحكيم ، وذلك كالمنافي للتكليف والابتلاء ، أما لو خلقها بهذه الوسائط ، فحينئذ يفتقر المكلف في إسنادها إلى القادر إلى نظر دقيق وفكر غامض ، فيستوجب الثواب ، ولهذا قيل : لو لا الأسباب لما ارتاب مرتاب.
(وثالثها) : أنه ربما كان للملائكة ولأهل الاستبصار عبر في ذلك وأفكار صائبة.
(السؤال الثالث):
في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) [البقرة : الآية ٢٢].
يقتضي هذا نزول المطر من السماء ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن الآية الشريفة مؤولة كما يأتي فإن الأمطار إنما تتولد من أبخرة ترتفع من كرة الأرض ، وتتصاعد إلى الجو فتجتمع هناك وتنزل بعد اجتماعها ، وذلك هو المطر.
فالجواب من وجوه : أحدها : أن السماء إنما سميت سماء لسموها ، فكل ما سماك أي علاك فهو سماء ، فإذا نزل من السحائب فقد نزل من السماء.
(وثانيها) : أن المحرك لإثارة تلك الأجزاء الرطبة من عمق الأرض جعل الله تعالى المنبهات تؤثر على الأجزاء الرطبة.