(الوجه الثالث) : أنه تعالى جعل السماء قبلة الدعاء ، فالأيدي ترفع إليها ، والوجوه تتوجه نحوها ، وهي منزل الأنوار ، ومحل الصفاء والأضواء والطهارة والعصمة عن الخلل والفساد.
(المسألة الثالثة في معنى كون السماء بناء):
قال الجاحظ : إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه الإنسان ، فالسماء مرفوعة كالسقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم منورة كالمصابيح ، والإنسان كمالك البيت المتصرف فيه ، وضروب النبات مهيآت لمنافعه ، وضروب الحيوان مصرفة في مصالحه. فهذه جملة واضحة دالة على المراد. هذا ما رأيناه في الأشياء المحيطة بنا.
(المسألة الرابعة في الكواكب هل هي مسكونة أو لا):
فإن قيل : هل الكواكب مسكونة أو لا قلنا إن هذا مما يقرب للعقل جدا ، ويظهر بداهة أنه لا يمكن جوازه بدليل قطعي سيما إذا كان على وجه الإيجاب والإثبات ، إذا أريد كونها مسكونة بذوات مشابهة لنا ، أو لما هو محيط بنا ، ولو فرض وجود سكان في كوكب المشرق الذي هو الزهرة مثلا أو في المشترى الممتلئ بأشرطته المتحركة أو بأقماره الأربعة ، أو في زحل المحاط بحلقة ، أو في غير ذلك ؛ للزم أن يعترف بأن هؤلاء الناس ممتعون بمنظر جميل رفيع القدر جدا ، وبسماء متنوعة المنتزهات وأشرف من سمائنا ، أيضا إذا كان القمر مسكونا بأشخاص شبيهة بنا ، فأي منظر بهي تبديه الأرض لهم إذا تعرض لهم جميع سطحها في مدة أربع وعشرين ساعة مع كون قطرها أكبر من قطر القمر بثلاث مرات وضوئها أقوى من ضوئه بثلاث عشرة مرة ، وجميع ما يناسب لكرتنا من الكائنات الجوية المضيئة والبحار والأنهر والأراضي الناشفة والغابات والأقطار العظيمة والجبال المفروشة بالثلج والجليد المستدام بغير ، وينوع لهم منظر هذه الكرة العظيمة النيرة التي يلزم على ذلك أن القمر يستفيد نوره منها ، فهذا الجمل واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل وتقدير شامل وحكمة بالغة وقدرة غير متناهية ، والله أعلم.
(مقالة مهمة)
في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : الآية ٢٢].
اعلم أن الله تعالى لما خلق الأرض وكانت دخانا ثم ماء ثم كالصدف والدرة المودعة فيه