وشكل جديد ، وهذه الكرة الهوائية ليست قوية الكثافة حتى تمنع انكسار الأضواء ، وهذه الكرة الجوية لها أظلال متداخلة في الأضواء ؛ فلهذا لم يوجد في الكون خلو مطلق فيما وراء ذلك ، فلا بد وأن يكون الهواء متخلخلا ، وهذا التخلخل يأخذ في الزيادة حتى يصل إلى الحمل الذي تنتهي إليه قوة الجذب ، فإذا ليس هناك خلاء تام فيما بين الأفلاك ، فلذلك هناك أظلال متداخلة ، فتتمايل على حسب تحرك الأفلاك :
(منها) : أنا نشاهد أن تلك الأضواء وأظلالها لا تقع في هذا العالم إلا على وفق تدبيره تعالى ، فنشاهد أن الشمس إذا طلعت وقعت الأجسام الكثيفة أظلال ممتدة في الجانب الغربي من الأرض ، ثم كلما ازدادت الشمس طلوعا وارتفاعا ازدادت تلك الأظلال تقلصا وانتفاخا إلى الجانب الشرقي إلى أن تصل الشمس وسط الفلك فإذا انحدرت إلى الجانب الغربي ابتدأت الأظلال بالوقوع في الجانب الشرقي ، وكلما ازدادت الشمس انحدارا ازدادت الأظلال تمددا وتزيدا في الجانب الشرقي ، وكما نشاهد هذه الحالة في اليوم الواحد ، فكذلك نشاهد أحوال الأظلال مختلفة في التيامن والتياسر في طول السنة بسبب اختلاف أحوال ضوء الشمس في الحركة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس ، فلما شاهدنا أحوال هذه الأظلال مختلفة بسبب الاختلافات اليومية الواقعة في شرق الأرض وغربها ، وبحسب الاختلافات الواقعة في طول السنة في يمين الفلك ويساره ، ورأينا أنها واقعة على وجه مخصوص وترتيب معين علمنا أنها منقادة لقدرة الله تعالى :
(المسألة الثالثة):
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال اختلاف حال الظلال معلل باختلاف سير النير الأعظم لا لأجل تقدير الله تعالى : قلنا : قد دللنا على أن الجسم لا يكون متحركا لذاته إذ لو كانت ذاته علة لهذا الجزء المخصوص من الحركة لبقي : هذا الجزء من الحركة لبقاء ذاته ، ولو بقي ذلك الجزء من الحركة لا متنع حصول الجزء الآخر من الحركة ، ولو كان الأمر كذلك لكان هذا سكونا لا حركة ، فالقول : بأن الجسم متحرك لذاته يوجب القول بكونه ساكنا لذاته وهو محال ، وما أدى ثبوته إلى نفيه كان باطلا ، فعلمنا أن الجسم يمتنع كونه متحركا لذاته ، ولذلك أن الأجسام تثقل ويجذب بعضها بعضا على طريقة النسبة المطردة للكتل والنسب المتعاكسة لمربع المسافات ؛ إذ لو فرضنا زوال التثاقل العمومي من الجو فإنه يتشتت في الفضاء ، وتتصاعد مياه الأرض ، ولا يحصل بين أجزاء الأجرام الصلبة وبعضها التصاق ولا تماسك ، وجميع الأشياء ينخرم انتظامها وتختلط ببعضها فيرجع العالم إلى اختلاله الأصلي حتى تتعلق القدرة الإلهية بخلق عالم جديد ، فتصنع مراكز تثاقل جديد تنجذب المواد إليها ،