بسم الله الرّحمن الرّحيم
حمدا لمن دحا
الأرض ، وأحصى أهلها عددا ورفع السماء ، ولم يجعل لها أوتادا ولا عمدا ، أجرى
البحار وأفاض الأنهار ، وفتح المسالك للسالك ، وفتح الممالك للملوك ، وهو أعظم ملك
ومالك ، وأيد الأرض بسكانها وشيدها في حميع نواحيها وأركانها ونوع أعلامها
وعوالمها ، وفنن أحكامها ومحاكمها فصارت لأهل الوحي من عالم الشهادة لا الغيب وما
قاله فيها من عداهم من أرباب السياحة والربانيين بمثل قوانين الهيئة والطبيعة
والمساحة فمن قبيل الإفك والريب ، والصلاة والسلام على من إلى حرمه تشد الرحال
وإلى الخوض في بوادى واديه تهيم كرائم النوق بكرام الرجال ، وعلى آله وصحبه الذين
بذلوا نفوسهم في طاعته ونصروه في هجرته ، فكان لهم به الفتح المبين وبلوغ الآمال
ولا زال ببركته صلىاللهعليهوسلم وببركة آله وأصحابه وأتباعه في ولاة أمته من خصه الله
سبحانه وتعالى بتجديد الدين القويم مع العز والسعد وأمده بجميل أوصاف تجل عن الحد
والعد.
(فأحببت) أن
أقتدي بهؤلاء السادة الكرام لتشملني بركاتهم وإمداداتهم على الدوام ، وبادرت بحل
معاني بعض آيات قرآنية تتعلق بكيفية خلق أجرام السماوات والأرض وأرجو أن تكون ذخرا
لي يوم الحشر والعرض وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الله الملك المعبود ، فأقول:
(الباب الثاني في كيفية خلق السماوات والأرض وفيه مقالات)
(المقالة الأولى) : في قوله تعالى :
بسم الله
الرّحمن الرّحيم (الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : الآية ١]
(وفيه مسائل) :
(المسألة الأولى فيما يتعلق بالحمد):
قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : الآية ٢]. تعليق الحمد المعرف بلام الحقيقة أولا باسم الذات
الذي يدور عليه كافة ما يوجبه من صفات الكمال وإليه يؤول جميع نعوت الجلال